الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (3)

                       الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (3)
                                                                          صلاح النصراوي
في 6 ايلول الماضي اي بعد ثلاثة اسابيع من نشر مقالي في “الاهرام ويكلي” زار “معالي الوزير” مؤسسة الاهرام لكي يشيد اولا للمسؤولين فيها بـ”الدور التنويري الكبير” للاهرام  في المنطقة العربية وثانيا لكي يعلن حسب ما جاء بالخبر المنشور بأنه “قدم الدعوة للرئيس (محمد) مرسي لزيارة العراق, والتي ستدفع إلي تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال الشركات المصرية المتواجدة بالفعل في السوق العراقي.”
هل تخلو هذه الزيارة من مغزى بما يتعلق بمقالي عن السياسة الخارجية العراقية، خاصة وان “معالي الوزير” اقتطع من وقته  الثمين الذي كان يفترض ان يخصصه لجلسات اجتماعات وزراء الخارجية العرب المنعقدة لمناقشة الازمة السورية التي من المفترض ان تشغل باله لما لها من انعكاسات على الوضع العراقي تاركا نظرائه العرب يصولون ويجولون في تقرير مستقبل سوريا وبالتالي تقرير مستقبل العراق؟
ان يترك “معالي الوزير” وهو رئيس القمة العربية الحالية مناقشات زملائه العرب لاخطر قضية يواجهها العراق وستقرر مصيره ويتعرض للمعاناة الاليمة التي تسببها زحمة المرور في شوارع القاهرة  لكي (يشيد) و(يبشر) فهي ايحاءات لا يمكن ان تخفي الدافع الحقيقي وراء الزيارة وهي مهمة تولاها قبله وبعده سعادة سفيره في الجامعة العربية.
من بين الصفات التي يتمتع بها السياسيون العراقيون العابرون في حياتنا هي الجحود والنكران لاولئك الذين وقفوا معهم في ايام المعارضة، وليس هناك اليوم ما آسف فيه في تجربتي الصحفية اكثر من اني ساعدت الكثيرين منهم على البروز اعلاميا وقدمتهم للاعلام العالمي وتغاضيت عن خزعبلاتهم، ولربما روجت لها ايضا، ظانا  ببعضهم خيرا، وشاكا ومتوجسا بأخرين، مقتنعا بانه في النهاية لا يصح الا الصحيح. 
ينسى معالي الوزير اني كنت اول من ادخلته الاهرام حين رتبت له الندوة التي عقدها في مركز الدرسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام في 13 كانون الثاني  2005 حيث تعرف على كبار الباحثين والصحفيين وتبادل معهم وجهات النظر في وقت كان الكثيرون في الشارع  المصري والنخبة المصرية ينظرون بتوجس وريبة وعدوانية لكل من يتحدث او يطرب للعراق الجديد.
وحين لم يكن مسؤولو الجامعة ووزارة الخارجية المصرية يطيقون ان يروا معالي الوزير او اطقمه الدبلوماسية وكل من له علاقة بعراقه الجديد كنت أمد يد العون للمساعدة واسعى لشرح الموقف وتلطيف الاجواء بغية فتح الابواب الموصدة امامهم حتى نالني بسبب ذلك شظايا كثيرة.
وفي حين كان دبلوماسيوه ووفوده يقضون اوقاتهم في الليالي الملاح ونهارات المكاسب والارباح كنت لازال مخدوعا بعراقه الجديد فانافح دفاعا عن ذلك العراق المتخيل في المنتديات السياسية والندوات والمؤتمرات وفي المطبوعات العربية والدولية وسط اجواء شديدة العداء والخصومة.
هناك الكثير مما يروى عن ممارسات دبلوماسيي “معالي وزير” خارجية العراق الجديد هي رديف الخيانة الوطنية والنذالة والخسة والتي كلفت العراق ليس اموالا او سمعة، بل دما طاهرا بريئا في شوارع المدن العراقية، ومع ذلك فان معاليه يجد الوقت والجهد ليرد على صحفي بعبارات بينها وبين الدبلوماسية مسافات شاسعة ولا يوفر كل ذلك  لكي يضع بعد تسع سنين من توليه منصبه امور سياسة البلد المنكوب الخارجية ودبلوماسيته وادارة وزارته في نصابها الصحيح.

الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (2)

                                الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (2)
في مقالته في “الاهرام  ويكلي”  قلب “معالي وزير” الخارجية العراقي الهرم اعاليه سافله ووضع بدبلوماسية يحسد عليها الامور بالمقلوب بغية الهروب من صلب الموضوع ولكني سأدع القراء يطلعون على نص مقاله في العدد الالكتروني يوم غد السبت قبل ان اتناوله بالرد، اولا بالعربية  للقراء العراقيين الذين يعنيني اطلاعهم على موضوع النقاش بالدرجة الاولى، وبعدها سألجأ للرد باللغة الانكليزية للرأي العام العالمي.
لكني اريد قبلاً ان اسرد هنا نزرا يسيرا من خلفية تاريخية قد تساعد في اغناء القراء ببعض المعلومات للالمام بموضوع النقاش الجاري وهو عن مجمل اداء السياسة الخارجية العراقية وجهازها الدبلوماسي منذ التغير الحاصل بعد الغزو الامريكي واسقاط  نظام صدام، وهو نقاش لازلت ادعو كل العراقيين ابتداء من القراء الى النخبة وانتهاء بلجنة الشؤون الخارجية البرلمانية للخوض فيه بعمق ومسؤولية.
في  9 ايلول 2003 كتبت تقريراً صحفيا في وكالة انباء الاسوشيتدبريس التي كنت اعمل بها عن “معالي وزير” خارجية حكومة ادارة سلطة الائتلاف، المعروفة شعبيا بادارة بريمر، بعد ان اتخذ مقعده بين 21 وزير خارجية عربي  في قاعة اجتماعات الجامعة العربية بالقاهرة وكنت ملماً بطبيعة الحال بالجهود والضغوط الامريكية التي جرت خلف الكواليس لاعادة المقعد للعراق بعد التغير.
تأملت خيرا وانا استمع الى “معالي الوزير”  من شرفة الصحافة في قاعة الجامعة العربية وهو يقول في اول كلمة له  “ان العراق الجديد سيكون مغايرا عما كان عليه في عهد صدام حسين.العراق الجديد سيكون قائما على  التنوع والديمقراطية والدستور والقانون واحترام حقوق الانسان.”
اطربني تعبير “العراق الجديد” وانا انظر الى وجوه اصحاب السمو من الامراء والشيوخ واصحاب المعالي والسعادة في القاعة الذين اعرف جيدا من خبرتي معهم المباشرة، او من خلال مؤتمرات وقمم الجامعة العربية منذ عام 1978 حساسيتهم الشديدة لمثل هذه التعبيرات الطنانة وقلت لنفسي يا مسهل هاهي نغمات جديدة تعزف في قاعة بيت العرب لعلها تثمر شيئا مفيدا اكثر مما تطرب.
في  4 نيسان 2004 وفي اثناء الاجتماع الثاني الذي يحضره زيباري لمجلس الجامعة العربية كتبت عنه “بروفايل” لتقديمه للعالم كوزير خارجية  كردي اصبح يجلس بين نظرائه العرب المتوجسين عاكسا  حقيقية “العراق الجديد” بتنوعه الاثني وبتقديمه نموذج سياسي وانساني وحضاري لباقي دول المنطقة الموبوءة بالطائفية والعرقية والدكتاتورية.مما قاله لي في المقابلة التي اجريتها معه “انا لا امثل جماعتي الاثنية ولكني امثل كل العراق ومصالح العراقي ككل… ولائي هو دائما للعراق وليس لمنطقة معينة بذاتها…. ربما لدي ارائي الخاصة ولكني الان امثل مصالح العراق وليس مصالح الاكراد.”
من يعود بذاكرته الى تلك الايام العصيبة التي كانت الجامعة العربية قد حددت فترة عام لاختبار الحكومة العراقية سيجد ان تقريرا مثل هذا (نصه على الانترنيت) “يسوق”  “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” بطريقة ايجابية امام المتربصين به وبحكومته من الحكام والنخب العربية، لا بد ان يكون ورائها حسن نية وتنطوي على أمال وتطلعات ان يكون الوزير وحكومته عند حسن الظن ببناء العراق الجديد المنشود، بالرغم من كل المخاوف التي  كانت تعتريني من بناة العراق الجديد والتي كنت قد عبرت عنها قبل الغزو واجملتها في مقالي في جريدة الحياة في اليوم الاول لانعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن في كانون الاول 2002 وعنوانه “كنت اعلم مالذي سيتهدم ولكني لا اعرف مالذي سيبنى فوق الانقاض.”
عرفت “معالي الوزير” مثلما عرفت اصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة  الكثيرين الذين عبروا وسيعبرون في حياتنا منذ الغزو، لكن مشكلته الاولى انه لا يبدو قادرا، مثل الاخرين من زملائه، على التميز بين كاتب وصحفي حر ومستقل  كان يحاول ان يعطي الناس املا بالفرصة التي جاء بها التغير للعراقيين وبين المنافقين وحارقي البخور والدجالين والسماسرة الذين يزينون لهم ما هم عليه.
المشكلة الثانية انه يدرك اني ابن مكة وادرى بشعابها وقاطنيها، واني بنيت خلال اعوام طويلة مصداقية في الصحافة العالمية والعربية لم تتهز ابدا، ولست من كتاب الوجبات السريعة في الصحافة الغربية او المرتزقة في الصحافة العربية، او ممن تزدحم بهم مواقع النميمة على الانترنيت، وهذا مكمن السر في تهافته على الرد على مقالي بعد محاولات فاشلة قام بها سعادة سفيره في الجامعه العربية للرد باسمه وتم رفضها من الجريدة.

الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري

            الصحفي و معالي الوزير … انا وهوشيار زيباري
“معالي وزير” الخارجية العراقي هوشيار زيباري انتقاني من بين كل صحفي الدنيا الذين يتناولون الشأن العراقي ليرد على مقال كتبته بشأن السياسة الخارجية العراقية.ادرك بطبيعة الحال دلالة، ذلك  لكن وزير الدبلوماسية في العراق الجديد تسلح بروح المقاتل القديمة ليشتكيني اولا لدى صحيفة “الاهرام ويكلي” التي اكتب فيها ويحرض علي ثانية، بعدما تولى تلك المهمة قبله سعادة سفيره لدى الجامعة العربية ثم ليرد بعدها بمقاله الذي نشر اليوم تحت عنوان “دحض النصراوي”.
كنت قد عاهدت نفسي منذ نحو اربعين عاما منذ بدأت عملي في الصحافة الا انخرط في اية مهاترات او ترهات ولن يثنيني عن ذلك ايضا اصرار “معالي الوزير” على استخدام مدفعيته الدبلوماسية الثقيلة في الرد على مجرد مقال صحفي او محاولات بعثته الدبلوماسية تخويفي او ارهابي عبر اساليب لم يتبعها معي حتى نظام صدام حسين القمعي ولا انظمة استبدادية كثيرة في المنطقة.
ان مثل هذا العمل الذي يأتي من قيادي في حزب يحمل اسم الديمقراطي هو تحريض سافر وعدوان فاضح على حرية الكلمة والفكر وتهديد لمن تبقى من الضمائر الحية في العراق لم يتجرأ عليه حتى سلفه في الوزارة ناجي الحديثي الذي كتبت عنه رواية كاملة وليس مقالاً، ولا حتى سفراء او سفارات صدام في ذروة عهد القمع والاستبداد.
يخطئ معالي وزير الخارجية اذا ما ظن ان مثل هذه الاساليب يمكنها ان ترعب اي صحفي ناهيك عمن وقف بصلابة ضد اعتى نظام دكتاتوري وفي عقر داره حين كان الكثيرون ممن يحيطون بمعاليه اليوم في خدمة الطغيان ويلعقون من احذيته.
ان هدفي كان وسيظل هو فتح باب النقاش بين العراقيين حول شؤون بلدهم ومنها سياسته الخارجية التي ادت خلال السنوات العشر الماضية الى كوارث ليس اقلها الفشل الذريع في وقف التدخلات الخارجية التي تساهم في الفتك بالعراقيين يوميا.
وفي حين اني ادعو كل عراقي الى ان يساهم في ذلك النقاش فاني على استعداد كامل ان اقف مع “معالي الوزير” في اي محفل علني يريده لمناقشة سجل سياسة وزارته وادارتها للدبلوماسية العراق انطلاقا من مبدأ الشفافية والصراحة والعلنية.
 
نحو فكر عربي جديد يعلو بالثورات
بقلم: صلاح النصراوى
الاحد 07 اكتوبر، 2012
صلاح النصراوى

في الأول من هذا الشهر توفي في لندن إريك هوبزباوم الذي ينظر اليه في الغرب بأنه من بين أبرز مؤرخي القرن العشرين‏,‏ كما يعتبر في العالم واحدا من ألمع المفكرين السياسيين الذين أثروا بابداعهم الفكري وحياتهم علي أجيال عديدة من القادة والنخب في العالم‏, اضافة الي كونه مثقفا ملتزما بقضايا الحرية والعدالة الانسانية ومعاداة الكولنيالية والاستغلال الرأسمالي.
تنبع أهمية هوبزباوم المولود في الاسكندرية  من قدرته الفذة علي شبك التاريخ كمنظومة اجتماعية بالقضايا وثيقة الصلة بالعصر انطلاقا لتغيير العالم. الأمر الذي تجلي في دراساته المتنوعة ما بين التنوير والطبقات الاجتماعية والثورات والحروب والأزمات, وكل ذلك في إطار وعي التحولات والتغييرات التاريخية.
ما يهمنا نحن العرب وفي هذه المرحلة خاصة من تاريخنا من سيرة هوبزباوم, الذي وصف بحق بانه واحد من عمالقة التنوير في عصرنا, وغيره من المفكرين الذين شهدهم العالم في القرن الماضي والذين خلبوا الالباب باتساع وغني افكارهم وما تركوه من أثر علي الواقع, هو دور المفكر الحقيقي في عملية التغيير ليس فقط في الاشتغال بهمة علي ترسيخ الروح الثورية علي مستوي المفاهيم, بل ايضا في إلهام الناس في كيفية استعادتهم لاصواتهم المفقودة وحثهم علي أن يضعوا أفكارهم وحياتهم المعاشة في صلب النقاش والعمل السياسي وفتح السبيل امامهم لصنع المستقبل. وأكثر ما يزيد الحاجة عندنا الي هذا الفكر هو أن الثورات والحراك السياسي الذي اطلقته علي نطاق العالم العربي كله جاءت في ظل ظروف لم يتهيأ لها في فترة اختمارها العقول الرائدة التي تصوغ رؤاها او تضع لها علامات الطريق علي غرار ثورات اخري في التاريخ, كما انها لاقت ولا تزال الكثير من التشويش والتشكيك والنفاق سواء علي يد الثورة المضادة, او من قبل اولئك الذين اعتادوا التمرجح في دواليب هواء السياسة, أو بواسطة القوي السياسية والاجتماعية التي سعت الي ركوبها.
إن التساؤل عما اذا كانت المجتمعات العربية بحاجة الي الثورة هو مسألة رأي, مثلما يبقي مطروحا للنقاش التساؤل الآخر عما إذا كانت الثورات حققت أهدافها أم لا, وهكذا هو أيضا الجدل الدائر بشأن ما اذا كانت الثورات اسلامية أم ديمقراطية يبقي تقييما شخصيا. غير أن المهم وهو حقيقة لا تقبل النقاش أبدا أن الثورة تعني التغيير الشامل وليس التبدلات السياسية أو الاصلاح او التطوير, مما يكرس تلك الحاجة الي الفكر الذي يؤصل الوثبات العربية باعتبارها منجزا تاريخيا يمنح عرب اليوم لاول مرة الامل في التحرر الشامل عن طريق الثورة. ما يؤكد هذه الحاجة أيضا للأفكار الملهمة والرؤي الصائبة والبناءة للنهوض بالثورات وتطوير مساراتها هو أن جزءا كبيرا من التنظير بشأن الربيع العربي يجري الآن في مراكز أبحاث ودهاليز الأجهزة المخابراتية العالمية, وطبعا بعيدا عن منجزات الفكر الانساني, أو علي يد قوي الثورة المضادة الاقليمية وفيالق الادعياء والمنافقين من المثقفين الزائفين العاملين معها, في حين يبقي التصحر والعقم, وفي أفضل الحالات, الارتباك والكسل هو السائد في الاعلام الجماهيري, أمام حراك لا يمتلك رفاهية انتظار أن تحل الثورات بنفسها أزمتها الفكرية.
أكثر ما يتجلي في هذا المشكل هو في مأزق الثورات التونسية والمصرية والليبية التي سعت لإسقاط الرئيس ولكنها لم تجتهد في بلورة نظام سياسي جديد لمواجهة تحديات منطقة الفراغ التي أعقبت سقوطه, والتي لا تزال تراوغهما. كما يتجلي في الثورة السورية التي تعجز لحد الآن أن تضع مبادرة لسوريا ناهضة لن تقع مجددا في مهاوي الطغيان أو التشرذم أو الظلام, وفي الثورة اليمنية التي يبدو أنها اصطدمت بجدار الخديعة وألاعيب السياسية, وقبل ذلك في العراق الذي أدي رحيل صدام منه الي تغير تجاوز مبتغاه الي حالة من التشظي والتفكيك.

 لعل ما أقدم عليه هوبزباوم وقبله وبعده المئات من المفكرين في الغرب هو معالجة قضايا مجتمعاتهم الكبري الفلسفية والثقافية والسياسية لاستعادة أشياء من التاريخ واستكشاف أساليب أخري للحياة والتفكير فكان أن انشغلوا في التنوير والحداثة والثورة وفي الحرب والسلم والاستغلال والعدالة الاجتماعية وقدموا منجزات هائلة للعالم. ولم يكن ذلك يجري دون انخراط فعلي سواء في العمل السياسي أو الجدل العام أو النقد أو حتي في النصح في الصداقات الشخصية مع الصفوة وأصحاب القرار.
 خلال العقود الماضية انشغل الكثير من المفكرين العرب, كل من موقعه الفكري او الايديولوجي في حفريات بنية العقل العربي وفي قضايا النهضة والحداثة, غير أن ماهو مطلوب الآن وفي أكثر فترات التاريخ العربي الحديث استثنائية وفرادة هو مراجعة الكثير مما كتبوه وأن يركزوا في اهتماماتهم الجديدة علي منهج عملي وهم يقومون الافكار الملهمة والرؤي الصائبة والبناءة التي تجتهد في صنع نقطة التوازن الضرورية بين ازالة آثام الماضي ومتطلبات الحاضر للنهوض بالثورات وتطويرها باتجاه التغيير المطلوب.
هناك ضرورة إذا في ظل صعود التيارات الاسلامية ان يخوض المفكرون الاسلاميون في قضايا سياسية ملحة كالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان والسلام والتنمية والثقافة والمعرفة, كما يجتهد المفكرون الآخرون في أصول الفقه ومقاصد الشريعة ومناهج التفسير وغير ذلك من الموضوعات التي تقع في الحيز الديني. معني ذلك ان ينزل الجميع من البرج العاجي ويقروا بالعلاقة الممكنة بين الديني المعرفي وبين السياسي, وكل ذلك في اطار روح الثورات وجوهرها العام ألا وهو ترسيخ فكرة التغيير كمنجز تاريخي.
أعلم علم اليقين أن العديد من المفكرين لدي الطرفين خاضوا من قبل هذه التجربة أكاديميا ومعرفيا لكن المراد الآن أن يجري ذلك في اطار التجربة السياسية الحركية الجديدة وفي سبيل تحقيق الهدف الأسمي للثورات, ألا وهو التغيير الشامل, متجاوزين الفرضيات التي تقول إن الوثبات العربية حسمت خيارها باتجاه طريق ذي مسار واحد.
كاتب عراقي مقيم في القاهرة
 
جميع حقوق النشر محفوظة لمؤسسة الاهرام

Analysis & views from the Middle East