الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (7)
                                                            صلاح النصراوي
لا يريد “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” ان يقتنع ان مقالي عن السياسة الخارجية العراقية في الاهرام ويكلي هو جزء من اهتمام كاتب ومثقف بشؤون بلده السائر في دروب الحيرة والضياع وانه مساهمة في الجدل العام بشأن مستقبله المحفوف بالمخاطر والتحديات وانني مستعد ان انقل هذا الجدل الى صفحات الجرائد العراقية بغية حشد وعي العراقيين باحدى اهم مشكلات بلدهم الحقيقية.
في 12 ايلول الماضي انتهزت فرصة نشر الزميل محمد عبد الجبار الشبوط  رئيس تحرير الصباح مقالا يتناول فيه موضوع السياسة الخارجية ويدعو فيه الى مساهمة النخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل وارسلت اليه مقالا كمساهمة مني في تشجيع باب النقاش حول الموضوع عراقيا الا انه لم ينشر المقال لاسباب لم يحاول حتى ان يذكرها.وتلك قصة اخرى من حكايات العابرين في حياتنا في “العراق الجديد”.
وهنا انشر المقال المذكور.
                                    مطلوب سياسة خارجية فعالة
                            تعزيز الدور العراقي في حل الازمة السورية
                             
حفزني مقال الزميل العزيز محمد عبد الجبار الشبوط عن “الطوفان السوري” قبل ايام ومكالمة تلفونية من احد السفراء العراقيين قبل ذلك ينقل لي فيها شكوى قيادي في الحكومة عن اراء جاءت في سياق مقال لي في جريدة “الاهرام ويكلي” عن السياسة الخارجية العراقية ان ادلي بدلوي من جديد وفي صحيفة عراقية في هذا الموضوع الذي تناولته في فترة مبكرة اثر التغير الذي اطاح بنظام الطغيان عام 2003.
كنت قد جادلت في كتاباتي وفي ندوات فكرية قبل الانسحاب الامريكي والاستلام الحقيقي للسلطة بان من الصعب الكلام عن وجود سياسة خارجية عراقية مستقلة لاسباب لا اظن انها خافية على احد.كما جادلت بعد ذلك بان صياغة سياسة خارجية بناءة وقوية تقوم على صيانة مصالح العراق الحيوية تحتاج الى توافق، واستراتيجة امن وطني متفق عليها من قبل القوى السياسية النافذة، وبعد ذلك كله جهاز سياسي ودبلوماسي محترف وكفء وجسور وملتزم قادر على تحويل كل ذلك الى مبادرات ومشاريع خلاقة في المحافل الاقليمية والدولية.
اريد ان استثمر دعوة الزميل الشبوط للنخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل، بالاقل بالنسبة لي، في الحوار بشأن السياسة الخارجية العراقية فاسئل بحسن نية اولا:هل ان البنية السياسية للنظام العراقي وللطبقة الحاكمة تسمح للنخبة الثقافية وللخبراء والتكنوقراتط المتجردين من الانحيازات والعصبيات ان يساهموا في تقديم رؤى وصياغة استراتيجيات وطنية في وقت يجري الصراع على هوية الدولة والمجتمع وتتم ادارة الشؤون العامة بطريقة المحاصصة في السلطة وفي الثروة؟
من خلال خبرتي ومتابعتي للدبلوماسية والسياسة الخارجية العراقية في محافل دولية واقليمية عديدة استطيع ان اجيب على هذا السؤال بلا قاطعة.ان جوابي هذا ينطلق اولاً من خصوصية التجربة العراقية التي انبنت على اساس المحاصصة السافرة، وليس التوافق او المشاركة، كما تشير ادبيات الجماعات المتحاصصة، وثانيا من طبيعة العلاقة العضوية بين السياسات الداخلية والسياسة الخارجية لاية دولة.ان اي مجموعة استشارية سوف تجتهد لتقديم رؤى وافكار او ترسم سياسات خارجية سوف تواجه في الحالة الراهنة احتمالين، اما انها ستنقسم داخلها الى اتجاهات تمثل كل واحدة منها مكوناً محددا سيتبنى مصالح مكونه واتجاهات قياداته، او انها ستقدم برنامج وطني، هو حصيلة موضوعية لقراءات الواقع، غير انه لن يجد توافقاً عليه في المستويات الحكومية او السياسية العليا كما سيواجه عرقلة التنفيذ، او بالاقل الافتقار للحماس في تنفيذه، في المستويات الدنيا.
وكي لا اقصر كلامي على الجانب النظري اجدني مضطراً الى الادلاء بشهادة شخصية في هذا المجال.لقد اطلعت خلال السنوات العشر الماضية وبحكم عملي في الصحافية الدولية في عواصم عديدة على نماذج مهولة من “دبلوماسية الاتصال” قام بها مسؤولون عراقيون مع نظرائهم او مسؤولين اخرين في الدول الاجنبية كانوا ينقلون لهم من المعلومات ما هو نقيض ما يتحدثون به علناً، او ماهم مكلفون بنقله من المركز.ان بعض ما اطلعت عليه من وثائق ومنها تسجيلات صوتية ومحاضر اجتماعات كان تحريضاً او استرخاصاً او نفاقاً يثير اشمئزاز حتى مستمعيه، غير انه كان في الحقيقة تعبيراً صادقا عن توجهات قائليه.
لن اتحدث هنا عن وزارة الخارجية وعن السفارات في الخارج فذلك مكانه مواقع النميمة على الانترنيت.
هل يمكن القول بعد ذلك بامكانية صياغة رؤى واستراتيجيات موحدة للسياسة الخارجية للعراق، وهي اليوم اصحبت حاجة ماسة اكثر من اي وقت مضى؟
هناك بلدان عديدة في العالم تتميز بالتنوع الاثني والمذهبي وهي مضطرة لكي تعكس هذا التنوع ليس فقط في هيكلة جهازها الدبلوماسي وانما ايضا في توجهات سياستها الخارجية، ولعل لبنان خير مثال على ذلك.كما ان هناك بلدان يتناوب على حكمها احزاب ذات توجهات سياسية متباينة تقوم بتغيرات جوهرية في السياسة الخارجية عند توليها السلطة وتعين اهل الثقة سفراء ومبعوثين لكي ينفذوا تلك السياسات، ومنها على سبيل المثال ايضا الولايات المتحدة الامريكية.وفي حين ان المجموعة الاولى تبقى محكومة بالتوازنات والتوافقات الداخلية الظرفية، فان دبلوماسية المجموعة الثانية، والسياسة الخارجية التي تنفذها، تبقى ملتزمة بالستراتيجات الكبرى والمصالح القومية العليا للدولة، مهما تغير فيها الرئيس او الحكومة.
ان معضلة صياغة سياسة عراقية خارجية فعالة تعكس المصالح الوطنية تبقى مرتبطة الى حد كبير بمشاكل العراق، وخاصة تلك العابرة للحدود منها، بسبب اتصالها ببلدان الجوار والتي تستخدم  بدورها مدفعية دبلوماسيتها الثقيلة ومواردها السياسية والاقتصادية لتعطيل او شل اي سياسة خارجية عراقية مستقلة.هناك تحديات عديدة واجهتها السياسة الخارجية العراقية وادواتها الدبلوماسية منذ انتهاء الدور الامريكي، ومن بينها أزمة ميناء مبارك مع الكويت والازمة المتواصلة مع تركيا، غير ان صياغة ستراتيجية واضحة المعالم ونشطة تجاه الازمة السورية تحافظ عن المصالح العراقية الاساسية تبقى التحدي الاكبر بسبب ما هو مدرك من نتائج خطيرة سوف يتركها انهيار سوريا على الداخل العراقي.
لا يعني هذا الركون الى المبادرات بشأن سوريا التي اطلقت لحد الان والتي لم تجد طريقها للتفعيل لاسباب معروفة، ومنها عجز الدبلوماسية العراقية عن بلورتها في مشاريع عمل وبرامج خلاقة واتصالات نشطة سواء مع الاطراف السورية المعنية او الاقليمية والدولية الفعالة.بل ان من الضروري وضع تصورات وخطط عمل متكاملة تخلق زخما للعمل السياسي والدبلوماسي العراقي على كافة الاصعدة.ان من البديهيات في العلاقات الدولية هو ان العالم لا يقبل مناطق الفراغ التي يملئها عادة من يمتلك المبادرة والجسارة، خاصة اذا كان الفراغ جيوستراتيجيا، كما هو الحال في سوريا.
ما هو واضح في السياسة العراقية تجاه سوريا، اذا صح وصفها بذلك، هي انها سياسة احترازية ودفاعية وحذرة، بدلا مما هو مطلوب وهو ان تكون فعالة وجريئة وذات خيال وافق واسعين.فالسلبية ليست سياسة حينما يكون العالم يتداعى من حولك وحين تكون انت في موضع الخطر وحين يتسابق كل من حولك لكي يدفعك في آتونه.ادرك الصعوبات الداخلية والخارجية التي تعتري التوصل الى موقف وطني عراقي موحد تجاه الازمة السورية، كما ادرك ان البعض يراهن على ان سوريا مغايرة ربما توفر فرصا افضل في مساومات العملية السياسة المتعثرة، غير ان تلك رهانات خاسرة ان لم تكن خيارات انتحارية.
ان جوهر المعضلة العراقية هنا هو كيفية مواجهة القوى الاقليمية والدولية التي تحاول مستميتة ان تحول الثورة السورية من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية الى اداة لاعادة صياغة المنطقة انطلاقا من العراق.ما هو مطلوب من العراقيين هو ان يدركوا ان ثمن سياسة عراقية قوية وفاعلة تجاه الازمة السورية هو اقل كثيراً من الثمن الذي سيدفعونه في حال التقاعس عن القيام بالدور البناء المطلوب لانقاذ سوريا الوطن والشعب من مصيرها المجهول.
لذلك ففي الوقت الذي ارى ان دعوة الزميل الشبوط للعمل على جبهتين لبلورة موقف عراقي تجاه الازمة السورية دعوة بناءة، فاني ارى ان الانتظار الى ما بعد ان تجلس القوى السياسية على الطاولة لكي تحل خلافتها سيكون أمراً عبثيا في ظروف تفاقم الوضع المأساوي في سوريا وازدياد التدخلات الخارجية.ان حداً ادنى من التوافق ضمن لجنة السياسات الخارجية التي شكلت مؤخراً سيكون مفيدا لبناء ستراتيجية عراقية متكاملة تجاه الازمة السورية يساعد في صياغتها خبراء معنيون.
هناك الكثير الذي يمكن الحديث عنه بهذا الصدد، ولكن لذلك مجال أخر.
                   الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (6)
                                                                    صلاح النصراوي
لم يذهب “معالي وزير” الخارجية الى المحاكم ليقاضيني اسوة بما فعل مع زميله في “العراق الجديد” سامي العسكري في القضية الشهيرة ولكنه طالبني بالاعتذار عوضا عن ذلك.هناك فرق جوهري بين الحالتين وهي ان المناكفات السياسية في “العراق الجديد”، كما في الحالة الاولى، تستدعي ديكورا ديمقراطيا وقضائيا لاحكام قواعد اللعبة، في حين انه في الحالة الثانية يلجأ مباشرة ودون مواربة الى القمع وفرض شروط الاذعان والاذلال والمهانة على الصحفي الحر المستقل.
لماذا يطلب معالي الوزير الاعتذار؟ لانه حسب قوله “عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.”هذا طبعا بعد ان يتساءل “من اين اتى (الصحفي)  بالالهام لكل تلك الفنتازيا؟”
هنا نأتي على مقالي المعنون “المالكي يتولى المسؤولية” واذا اخذنا الامور باي معيار مهني، او حتى غير مهني، فان العنوان لا يدل على ان “معالي الوزير” هو اساس الموضوع المطروح.لكن وزير خارجية العراق الجديد يعتبر نفسه مستهدفاً فينهض للدفاع عن نفسه ووزارته، لكن لا تأخذه النخوة والحمية للدفاع عن “حكومة الشراكة الوطنية” التي هو عضو دائم فيها ولا رئيس وزرائه، وذلك لعمري بحد ذاته دليل دامغ على جوهر القضية المطروحة في المقال وهي ان الوزير في واد ورئيس الحكومة في واد اخر بما يتعلق بالسياسة الخارجية.
اقول في مقدمة مقالي ان رئيس الوزراء المالكي “قرر انشاء فريق حكومي لكي يتولى الاشراف على سياسة البلد الخارجية وهو ما يعني انه يتجه بقوة اكثر نحو احكام قبضته على السلطة السياسة في وقت يزداد فيه القلق بشأن فشل سياسة العراق الخارجية وسط الفوضى التي تشيع في المنطقة.”
في الفقرة الثانية اقول ان المالكي امر ايضا بتشكيل لجنة حكومية لاعادة النظر في العلاقات مع تركيا على ضوء سلسلة من النزاعات مع جار العراق الشمالي القوى من ضمنها الوضع في سوريا وتزايد تدخلات انقرة في الصراعات المذهبية والعرقية في العراق.”
في الفقرة التالية هناك جزء تحليلي يقول ان “المناورة (مناورة المالكي) ربما ستؤدي الى تحول اساسي في موازين القوى في وجود مقاومة من الاكراد لرئيس الوزراء الشيعي لاندفاعه في تركيز سلطته بشكل اوسع في بلد تقوده حكومة ائتلافية هشة منذ الغزو الامريكي عام 2003.”
وهكذا يمضي المقال في ان “هناك مخاوف من ان تؤدي خطة المالكي الى تدهور سيزيد من الانقسام في البلد الذي يخشى العديدون فيه من احتمالات الصراع الاثني والطائفي في المنطقة نتيجة الوضع في سوريا.”
ويستمر المقال في شرح ابعاد تشكيل اللجنة العليا للعلاقات الخارجية والموقف من تركيا التي فجرت مواقفها الاخيرة ومن ضمنها زيارة وزير خارجيتها لكركوك دون علم او تنسيق مع الحكومة المركزية.
“معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” يقول انه عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.حسناً يبدو ان “معالي الوزير” يقرأ الامور بالعين التي تروقه، مستنكفاً حتى من ان يرى الحقائق البسيطة امامه، فكيف اذن سيقتنع بحق الكاتب في التحليل والتعليق والكشف وقراءة ما بين السطور.
وزير خارجية “العراق الجديد” يكره التحليلات السياسية الصحفية ويراها مجرد “فنتازيا” و”خيالات” و”فبركات” و”خداع”.في المقال اجادل بانه “مع استمرار الاضطرابات في سوريا فان القلق يزداد مع اعتقاد الكثير من العراقيين بأن بلادهم تفتقر الى دبلوماسية واضحة وفعالة للتعامل مع المشكلات السياسة العديدة مع العالم الخارجي”.كما اجادل ايضا بان تشكيل لجنة وزارية لدراسة اعادة النظر بالعلاقات مع تركيا يعني ” تضاؤل” دور وزير الخارجية.
هل افتريت هنا على “معالي الوزير” عندما قلت ان اللجنة ستكون على حسابه استنادا الى البيان الذي اشار الى تشكيلها بانها تتولى رسم السياسات الخارجية والاشراف على تطبقها من قبل وزارة الخارجية.
الا ان مايستثير “معالي الوزير” هو كلمة “تضاؤل” دوره، كيف لا وهو الذي يسطر امجاد الوزارة التي اعادت العراق للمجتمع الدولي وجعلت مندوبيه يجتمعون مع مندوبي اعضاء مجلس الامن الدولي، وكأن العالم لا يعرف من اعاد العراق (هذا اذا كان عاد حقا) الى الحظيرة الدولية او ان مندوبي “بليتز” و”سان مارينو” و”تفاليو” لا يعقدون مثل تلك الاجتماعات مع مجلس الامن.
احدى فقرات المقال تقول ان احدى الانتقادات التي توجه لزيباري هو انه اخفق في الاستفادة من موقع العراق في رئاسته الدورية للقمة العربية في احراز اي تقدم في المجالين الدبلوماسي وفي العلاقات الخارجية وانه بعد ستة اشهر من القمة التي كلفت بغداد 500 مليون دولار فانه ينظر الى زيباري بانه لم يتخذ المبادرات التي تضع العراق في مركز السياسة العربية والاقليمة ورعاية مصالحه الوطنية.
ليجيبنا “معالي الوزير” عن النتائج والفوائد التي تحققت للعراق من ذلك المؤتمر الذي صرف عليه نصف مليار دولار بلغة الحقيقة لا بلغة التشكيك والطعن والتكذيب الذي امتلأ بها مقاله ولا بلغة الفتوح المبينة للدبلوماسية العراقية.
من حقي ان اقول  ومن خلال خبرتي وتجاربي في مؤتمرات القمة العربية واجتماعات الجامعة العربية التي حضرت منها العشرات خلال اكثر من ثلاثين عاما، ومن خلال عملي الصحفي في  دهاليز الجامعة العربية وفي العديد من الدول العربية، ان اي قمة لا تساوي قرشا واحدا يصرف عليها وانها وراء الكوارث والمآسي التي حلت بالمنطقة ابتداء من هزيمة العرب الكبرى في فلسطين وحتى تسلط نظم الاستبداد والفساد التي هاهي نتائج حكمها تؤدي الى دمار المنطقة وتفسخها وتشرذمها.
فهل من حق ا”معالي الوزير” ان يصادر رأيي هذا ويضمه الى الاتهامات بالفنتازيا والخداع؟انتظر مثلما سينتظر العالم كله مالذي سيقوله هو بالذات للتاريخ حول الاجتماعات والقمم العربية والعمل العربي المشترك بعدما يترك منصبه هذا ويستقر بعيدا عن مقعد العراق في بيت العرب. 
في مقالي اشارات الى “اتهامات” بسؤ الادارة وغياب التنسيق مع الجهات الحكومية الاخرى كما ان هناك “انتقادات” بانه “حول وزارة الخارجية الى وكر للمحاسيب عديمي الكفاءة والمعينين سياسيا والفاسدين.”
هل أتيت هنا بشيء جديد؟هل يريد “معالي الوزير” فتح هذا الملف الذي تغاضى عنه تماما في رده واعتبره مجرد “اعادة انتاج لادعاءات سرطانية مريضة”؟انا شخصيا أنأى بنفسي ان اخوض في تفاصيله لان رائحته النتنة كما ذكرت سابقا تزكم الانوف.
ولكن سؤالي لـ”معالي الوزير” اليست التعينات والمراكز على اساس المحاصصة والمحسوبية والعلاقات المشبوهة وليس على اساس الكفاءة والمقدرة والخبرة فساد اعظم؟ ومن ثم هل تستقيم سياسة خارجية صائبة وبناءة وقوية تتبنى وتدافع عن المصالح الوطنية العراقية وتواجه التحديات وتقف ضد كل الاعداء المتربصين بالوطن مع ادوات فاسدة او عديمة الكفاءة او لا مبالية؟
والاهم من كل ذلك الا يبدو ان اشاعة الفساد في وزارة معاليه امر ممنهج ومقصود لاسباب لا يمكن ان تغيب دلائله عن اي فطن ولبيب؟

رسالتي الى موقع صوت اليسار العراقي

رسالتي الى موقع صوت اليسار العراقي

الاخوة الاعزاء في موقع صوت اليسار العراقي المحترمون
تحية طيبة وبعد،
لاحظت نشر صورة مركبة للسيد هوشيار زيباري مع مقالي المنشور في موقعكم الموقر وانا التزاما مني بتقاليد العمل الصحفي والحوار السياسي البناء ارجو رفع الصورة المذكورة من المقال، مع فائق تقديري واحترامي.
صلاح النصراوي

الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (5)

                           الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (5)
                                                                 صلاح النصراوي
ستجد مجموعة المتابعة التي عينها “معالي الوزير” في عدد اليوم 18 تشرين الاول من الاهرام ويكلي  توضيحا مقتضبا على ما يستحق الرد عليه في مقالة معاليه وسأنقله بطبيعة الحال لاحقا هنا.غير اني اجد نفسي مضطرا للاستطراد قليلا في خلفيات الموضوع مع استمرار حرصي على تجنب تفاصيل اخرى لا لزوم لها في الوقت الحاضر.
في تاريخ الاهرام الذي يمتد على نحو 130 عاما  كنت انا الصحفي والكاتب العراقي الوحيد الذي يكتب في الاهرام اليومي، وهي الصحيفة الرئيسية، وكذلك “الاهرام ويكلي” التي اكتب فيها منذ نحو عشرين عاما، وبوابة الاهرام الالكترونية الانكليزية وهو امتياز يدعو “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” وحكومته ان تفخر وتتشرف به.
ومع ذلك فان “معالي الوزير” و”سعادة سفيره” في الجامعة العربية لم يتورعا، بل لم يخجلا من التحريض ضدي في هذه المؤسسة لا لشيء الا لاني تجرأت واستخدمت حقي الطبيعي بابداء الرأي وفي حرية التعبير في قضية تمس بلدي.
قبل ان ينشر مقال “معالي الوزير” “دحض النصراوي”- وياله من عنوان براق-كان “سعادة سفيره” والذي لاتزال صحيفة عراقية تحمل اسمه كرئيس للتحرير  يقوم بخدمة معاليه بتحريض داخل المؤسسة الصحفية العريقة لا تقوم به الا دول بوليسية في مواجهة الرأي الحر مستخدما بعض الاساليب التي سيأتي آوان طرحها.لم يتجرأ “معالي الوزير” و”سعادة سفيره” علي فقط، بل على الصحيفة وتاريخها حين بعثا بمقال باسم احد الاشخاص المجهولين كرد على مقالي وهو ما رفضته الصحيفة رفضا قاطعا واصرت على ان يرد الوزير بنفسه.
من الواضح ان “معالي الوزير” لم يرغب ان يضع رأسه برأس الصحفي ولكنه اضطر في النهاية الى النزول الى ما رأها ارض المعركة التي شحذ فيها سهامه وسيوفه لكي يرد بها عن حياض وزارته العتيدة وانجازاتها العظيمة ابتداء من اعادة العراق الى الحظيرة الدولية والاقليمية وانتهاء بعقد القمة العربية ذات الخمسمائة مليون دولار في بغداد.
لن اناقش الان كل تلك الانجازات بحساب التكلفة والنتائج او على ضوء الجدوى السياسية والاقتصادية، ولكني اتساءل اليس من حقي ان لم يكن من واجبي ككاتب عراقي ان اتناول واناقش وانتقد السياسة الخارجية في العراق الجديد والاداء الدبلوماسي لوزارة خارجيته ام ان تلك محرمات لا ينبغي الاقتراب منها في قلعة “معالي الوزير” الحصينة.
حين كلمني “سعادة سفيره” في اليوم الثالث لعيد الفطر الماضي ظننت انها مجاملة جاءت متأخرة، ولكن سرعان ما خاب ظني حين انبرى ليقول بانه يتحدث من المانيا حيث يقضي اجازته وبان “معالي الوزير” زعلان بسبب مقال كتبته وينقل عنه بان كل ما ورد فيه غير صحيح.مالذي يمكن ان ارد به على هذه الجرأة، فهذا اولاً اقتحام  في صميم الحرية الصحفية وتدخل سافر في عمل الكاتب اضافة الى انه اتهام صريح بالكذب؟تمالكت نفسي وقلت ان “سعادة السفير” يتصرف كموظف يريد ان يرضي رئيسه وليس كمعارض قديم وسياسي مخضرم ومسؤول في تنظيم ورئيس لتحرير صحيفة.أجبته بان من حق “معالي الوزير” ان يرد على المقال فالعراق (الجديد) بلد ديمقراطي مثلما مصر الجدية ديمقراطية ايضا.
خلال تلك الثواني المعدودات مرت بخاطري ذكريات مشابهة في بغداد صدام حسين وفي طرابلس القذافي ودمشق الاسد وفي تونس والقاهرة والرياض وصنعاء وغيرها من العواصم حين واجهت وزارء وسفراء ومسؤولين في عقر دورهم وقصورهم  ومكاتبهم كانوا مثل “سعادة السفير” ايضا ينقلون لي بغضب زعل رؤسائهم وملوكهم عما كتبته.
كيف لوزير ينتمي لحركة تحرر وطني لازالت تناضل من اجل حرية شعبها وسفير قضى مشواراً طويلاً من حياته في النضال وفي المنفى يلجأن الى ذات الممارسات التي تقوم بها النظم الدكتاتورية والدول البوليسية في ملاحقة الصحفي والكاتب الحر؟
طبعا في “العراق الجديد” ينهار كل شيء ولا تبقى هناك من فضيلة الا وقد صدئت وفقدت اصالتها واعتراها الادعاء والزيف.
  
                 الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (4)
                                                                 صلاح النصراوي
في حين يركز “معالي وزير” الخارجية في مقاله في الاهرام ويكلي على غزوات وفتوحات وزارته في تمثيل مصالح العراق الوطنية يتجاهل تماما مثلما يفعل منذ سنين كل الاتهامات الموجهة اليها بالفساد وسؤ الادارة والفشل في صياغة سياسة خارجية فعالة ودبلوماسية قادرة.وبدلا عن ذلك فانه يطلق زخات رصاصاته اولا بعبارات مثل التحيز والاخطاء والتهيئات والتشكيك ثم يتحول الى رشقات المدافع الثقيلة فيمطر القراء باتهامات للكاتب بالفبركة واعادة انتاج الادعاءات المريضة القديمة والتضليل والقفز الى الاستنتاجات الساذجة والخيالية والخداع.
يالها من لغة دبلوماسية راقية تليق بالعراق الجديد، انتظر من “معالي الوزير” ان يرد بمثلها على مقال “العراق يعاني من فوضى سياسته الخارجية” في صحيفة الغاردين البريطانية الثلاثاء 16 تشرين الاول 2012.اليست الغاردين ايضا منارة للتنوير مثلما هي الاهرام وتستحق من معاليه عناية، ولربما زيارة مماثلة، ام انه يجوز ردع  وتخويف والتنكيل بالصحفي والكاتب العراقي وليس بالاخرين.  
أخذت وزارة الخارجية مثلها مثل باقي المؤسسات في العراق الجديد حيزا كبيرا من اهتمام العراقيون بقضايا الفساد، وخاصة المحاصصة والمحسوبية وانعدام الكفاءة في التعينات وفي شغل المناصب وسوء استخدام المال العام وغيرها من اوجه  استغلال السلطة وكان اخر تلك القضايا ما افصحت عنه النائبة البرلمانية الكردية وعضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية الا الطالباني يوم 16 تشرين الاول عن ان “جميع المقبولين في معهد الخدمة الخارجية للدورة 27 للعام الحالي هم من أبناء المسؤولين في الحكومة لاسيما السفراء.”
هل بالامكان التشكيك بشهادة الطالباني وهي شاهدة من اهلها بامتياز حتى بافتراض ان هناك دوافع شخصية او سياسية وراء انتقاداتها المتكررة لوزارة الخارجية.
لم نسمع من “معالي الوزير” ردا على اتهام خطير كهذا وهو ان وزارة خارجية “العراق الجديد” مثلها مثل ذلك “العراق الجديد” نفسه مجرد ضيعة استولى عليها البعض ويريدون ان يورثوها للابناء وربما الاحفاد من بعدهم.
غير اني سأتجنب الان الخوض في قضايا الفساد المالي والاداري والاخلاقي في الجهاز الدبلوماسي العراقي وهي ما تزكم  حتى الانوف العفنة واريد ان اعود الى ما اشرت اليه سابقا عن الممارسات التي ترتقي الى درجة الخيانة الوطنية رغم علمي بان الوطنية لم تعد مفردة مدرجة في قاموس العراقيين الجدد.
خلال السنوات التسع الماضية اطلعت وبحكم عملي في الصحافة الدولية في عواصم عديدة على نماذج مهولة من تلك الخيانات قام بها دبلوماسيون ومسؤولون عراقيون كانوا ينقلون فيها الى مسؤولين واجهزة رسمية اجنبية معلومات تتناقض كلية مع مهماتهم المكلفين بها وواجباتهم الرسمية والوطنية.ان بعض ما اطلعت عليه من وثائق ومنها تسجيلات صوتية ومحاضر اجتماعات كان يتجاوز النفاق والنميمة الى الاستعداء والتحريض السافر على الحكومة التي يمثلونها.
كم رأيت من وثائق ومحاضر عراقية رسمية مسربة الى الدول الاجنبية كان مصدرها دبلوماسيون عراقيون.
هل احتاج هنا الى الايضاح بان اي واحد من هؤلاء كان يمثل هنا الانتماء او المصلحة التي يختارها لنفسه غير الانتماء للعراق ومصالحه الوطنية.يمكن ان يتفهم المرء ان البعض يضع انتماءه الطائفي والاثني فوق كل اعتبار ولكن هل احتاج هنا للتساؤل عما اذا كان بعض الدبلوماسيين ومنهم سفراء يمثلون حقا العراق الجديد ام دولا اخرى يرتبطون بها بروابط عديدة.كيف سيتصرف السفير العراقي الذي قضى سنوات من عمره يعمل مع الامير الفلاني والشيخ العلاني او زيد من الدول وعمرو من الاجهزة حين يجلسون معا في مؤتمر او اجتماع دولي وتتباين مصالح العراق مع اجندات هؤلاء؟
في مقاله يرمي “معالي الوزير” قفاز التحدي ويطالب بادلة تثبت الفساد المستشري في وزارته.حسنا تلك هي مهمة لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية وهيئة النزاهة والقضاء في العراق الجديد.ولان هذه المؤسسات في غير وارد هذا الامر  ليعمل “معالي الوزير” بقاعدة دفع الشبهات ويطلب بنفسه تحقيق شامل بكل اوضاع الوزارة السياسية والادارية والمالية منذ استلامه لها ولحد الان.واذا كان معالي الوزير حريصا على سمعته وتاريخه النضالي او انه يحمل المسؤولية لعملية المحاصصة وتدخلات الاخرين فبامكانه ان يتحدى كل منتقديه ويطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تتولى تلك المهمة.
طبيعي ان كل ذلك لن يحصل  ابدا لكن حين يأتي يوم الحساب او حين تبدأ ويكيليكس العراقية عملها سيكتشف العراقيون ما مدى ما اصابهم من ضرر مس صميم حياتهم ومستقبل بلادهم جراء الفساد في وزارة الخارجية وتضارب المصالح فيها وفقدانها للفاعلية في السياسة الخارجية وانعدام المصداقية بالدبلوماسية العراقية لدى الدول والمنظمات في العالم.

Analysis & views from the Middle East