صفوة القول (19)
مختارات من اراء وقضايا

هل تشعل تفجيرات نيويورك وواشنطن صراع الحضارات بين أميركا والعرب ؟ 
 صلاح النصراوي
مجلة الوسط 19 سبتمبر 2001
في صباح اليوم التالي للتفجيرات التي أطاحت بمركز التجارة الدولي في نيويورك ودمرت اجزاء كبيرة من مبنى البنتاغون خرجت جريدة “كرستشين ساينس مونيتر” الاميركية المعروفة عادة بالجدية والرصانة في اسلوب تناولها للأحداث، بتقرير عن الهجمات الارهابية مع مانشيت بارز “خبراء الارهاب يقولون وحده ابن لادن يمتلك الامكانات للقيام بهجمات مثل هذه“.
إلا ان صحيفة “بوسطن هيرالد” الصادرة في اليوم نفسه تجاوزت التخمينات والتوقعات وجاءت بما يفيد بأن اجهزة الشرطة في ولاية ماساشوتيس تمكنت من تحديد هوية خمسة من العرب الذين يشتبه بأن لهم ضلعاً في عمليات التفجير مستدلين في ذلك على عثورهم على سيارة مستأجرة مهجورة في مطار لوغان حيث انطلقت واحدة من الطائرات الانتحارية وبداخل السيارة كراسة تدريب على الطيران باللغة العربية، وكما أفادت الصحيفة فإن التحقيقات الأولية تشير الى أن مستأجري السيارة الذين يحملون جوازات سفر من دولة الامارات العربية المتحدة استقلوا الطائرة الانتحارية التي كانت متوجهة من بوسطن الى لوس انجليس وان احدهم هو طيار محترف.
لكن الرأي العام الاميركي الذي لم يكن قد استمع بعد الى الرواية الرسمية عمن يقف وراء حوادث التفجير، حينئذ، لم يكن بحاجة الى تقارير صحافية ومانشيتات مثيرة مثل تلك لكي يجري تعبئته في حملة الكراهية والتحريض ضد العدو الوحيد المحتمل قيامه بتلك العمليات الارهابية، إذ ان شاشات التلفزيون الاميركية كانت طيلة الليلة السابقة قد امتلأت بمعلقين ومحللين وخبراء في شؤون الشرق الاوسط والاستخبارات وفي قضايا العالم الاسلامي يدلون بدلوهم ثم يشيرون بأصابعهم بثقة باتجاه واحد نحو العرب، وعلى رأسهم اسامة بن لادن، كمتهمين مؤكدين وليسوا فقط محتملين في عمليات التفجيرات.
وإذا تجاهلنا التقارير الصحافية التي تتحول في مثل هذه الظروف الى مجرد وجبات سريعة مصحوبة بكل عناصـر التشــويق والاثارة فلم يكن اي من اولئك المحللين، مثل الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، يشقى بالمنطق وبالبحث عن الأدلة لكي يصل من خلال الشك الى الحقيقة وبالتالي الربط بين السبب والنتيجة، إذ ان الحاجة، في وقت اطلقت شبكة سي. إن. إن الاخبارية على تغطيتها للاحداث “اميركا تتعرض للهجوم”، لن تكون للمنطق الديكارتي او حتى للتفكير البرغماتي الذي اخترعته اميركا نفسها بل الى كلام يدغدغ المشاعر عن اعداء اميركا الحقيقيين والمتخيلين امثال صدام حسين واسامة بن لادن ليس رودوفان كاراجيتش او كيم جونغ ايل وحكومات تضمها قائمة الدول المتهمة بالارهاب لوزارة الخارجية الاميركية مثل العراق وسورية وليبيا ليس صربيا أو كوريا الشـمالية.
في الجهة المقابلة كان العالم العربي يقف مذهولاً امام ما حدث حيث تسمّر معظم العرب امام شاشات التلفزيون التي راحت محطاتها الفضائية تتسابق في نقل الاحداث المتسارعة من نيويورك وواشنطن يراقبون ما يجري وكأنهم يشاهدون فيلماً هوليوودياً من تلك الأفلام التي أثارت خيال المخرج الاميركي ستيفن سبيليبرغ قبل أن يصحوا سريعاً على التلميحات او الاتهامات المباشرة التي تشير اليهم بأصابع الاتهام بالكارثة القومية التي حلت تواً بأميركا والتي ربما لا توازيها في الاحساس بالهزيمة والمهانة إلا كارثة ضرب اليابانيين لميناء بيرل هاربور اثناء الحرب العالمية الثانية.
انهيار الجسور
ولكن بغض النظر عن ردود الفعل العربية تجاه الحدث، التي تراوحت بين صمت وحيرة او تلقائية وعابرة صفقت له لأسباب عاطفية تتعلق بتاريخ مأزوم من العلاقات بين الطرفين، أو تنديدات سارعت بها القيادات العربية وبيانات التعاطف التي ادلت بها، فإن ما كان ينهار يومها أمام ناظر العرب جميعاً ليس فقط مبنى مركز التجارة الدولي والبنتاغون بل جسر آخر من تلك الجسور التي سعى الطرفان لبنائها عبر عقود طويلة كي تكون معابر للتفاهم والتوافق اللذين ظلا هشين وعصيين بسبب اختلال التوازن في المصالح، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي. ولأن الهدف هذه المرة ليس قوات المارينز التي نزلت في بيروت أو المدمرة كول التي رست في ميناء عدن بل صرحان عملاقان يمثلان رمز القوة الاميركية فإن ترقب الغضب الاميركي لا بد ان يتعدى التوقعات عن الثأر بضربات عابرة الى ما هو أبعد من ذلك ويقيم بين العرب والاميركيين حفرة عميقة بدلاً من الجسور التي تقطعت مع التفجيرات الارهابية في نيويورك وواشنطن.
والاكيد الآن، وخصوصاً إذا ما ثبت من خلال ما ستسفر عنه التحقيقات أن هناك يداً عربية لها علاقة في تدبير وتنفيذ ما حدث فإن المواقف الاميركية من العالم العربي في الإطار الاستراتيجي العام وعلى مختلف الاصعدة لن تكون مستقبلاً كما كانت عليه قبل تفجيرات يوم 11 ايلول سبتمبر 2001، ذلك أن اميركا نفسها بل ربما العالم كله لم يعد كما كان قبل ذلك التاريخ الذي ربما سيوازي في اهميته يوم اكتشاف البارود والصاروخ والقنبلة الذرية، إذ ان ما حدث يومها وعلى حد قول وزير الخارجية كولن باول كان حالة إعلان الحرب على اميركا أو كما وصفها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بأنها كانت هجوماً على نمط الحياة الاميركية الحرة بهدف سلبها تلك الحرية. ستنسى الولايات المتحدة أن ابن لادن هو صنيعتها وأنها انتصرت به على الجيش الاحمر في افغانستان وهو الانتصار الذي فتح الباب بعدئذ لانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية وتتذكر فقط بأنه زعيم التطرف الاسلامي والعربي وعدوها الرقم واحد الذي نقل تلك الحرب الى قلب الحصن الاميركي وضرب رموز قوتها العسكرية والاقتصادية وحينها فإن “الاسلام فوبيا” وهو رديف “العرب فوبيا” والتهديدات المتصورة منها ستكون هي العنصر الأبرز في السياسة والاستراتيجية الاميركيتين المقبلتين وربما ستحظى بأولوية مطلقة على تلك المصالح المرتبطة بحماية اسرائيل والنفط التي ظلت محور استراتيجية الهيمنة الاميركية في المنطقة منذ عقود طويلة.
بعد يوم واحد من وقوع تلك الهجمات كانت النغمة السائدة بين مسؤولي ادارة الرئيس بوش هي عن تحالف دولي بدت واشنطن داعية وساعية لإنشائه للرد على الارهاب الذي طرق بابها بعنف هذه المرة، وإذا ما افترضنا ان مثل هذا التوجه جاد فإن الاسئلة التي من الضروري ان تُطرح هو ممن سيتكون هذا التحالف وضد من؟ وهل سيكون تحالفاً موقتاً أم بعيد المدى تتم تعبئته خلف نظريات مثل “صدام الحضارات” وبذلك يبدأ العد العكسي لتوقعات صاموئيل هنتنغتن عن الصراع المرتقب الذي ستؤججه الاصولية الاسلامية بين الغرب المسيحي والعالم الاسلامي؟ لنفترض للحظة واحدة ان ذلك أمر سيسعى اليه الصقور الذين تحتشد بهم هذه الادارة الاميركية رداً على ما تعرضت له الولايات المتحدة ودرءاً لتهديدات وضربات مقبلة إذا ما تركت الامر من دون عقاب. فما الذي سيحدث وكيف سيكون بقدرة الخيال ان يتصور المنحدر الذي ستنزلق اليه العلاقات العربية ـ الاميركية، ليس في طابعها الرسمي بل على مستواها الحضاري والتاريخي لو ساد نتيجة الهجمات الاخيرة مزاج في اميركا تجاه العرب يتسم بالغلو والتشدد والاستياء؟
الولايات المتحدة، وحتى بعد ان تفيق من الصدمة ستبدو مثل نمر جريح يريد ان يثأر لكرامته، ولأن الأمر سـيكون متعلقاً بالعالم العربي هذا الكيان الضعيف من وجــهة نظرها، فإن اكثر ما يمكن ان يخشاه المرء هو أن ينزلق صقور الادارة الى استخدام قوانين الغاب بدلاً من اسلوب التعاون والمشاركة في جهد دولي منظم لاستئصال الارهاب، خصوصاً وأن هناك الكثيرين، كما فعل بعض القادة الاسرائيليين، أو لحسابات تتعلق بصراعات اقليمية مثل تلك التي بين الهند وباكستان او روسيا والشيشان الذين سيجدون ان من مصلحتهم الدفع بالطرفين الاميركي والعربي نحو الهاوية.
لكن الأمور، مع ذلك، قد لا تكون او تصبح بالسوء الذي تبدو عليه. ففي اوقات الازمات يميل القادة – والاميركيون ليسوا استثناء – الى الانسياق وراء العواطف الجياشة ويدلون بتصريحات نارية بسهولة بالغة بهدف اشباع الغرائز التي فلت عقالها كما قد تنحدر سلوكيات بعض الاميركيين في موجة معاداة العرب الى سيكولوجية القطيع، لكن اميركا دولة عظمى بكل المقاييس وعليها مسؤوليات اخلاقية والتزامات تاريخية لا يمكن ان تسمح لها في هوجة الغضب والتعصب الاعمى بالوقوع في خطأ تحويل “الاسلام فوبيا” إلى صراع أو نزاع حضاري مع العرب والمسلمين.
هناك درسان على الادارة الاميــركية ان تعيهما في معالجة الازمة الحالية لو ثبت فعلاً ان اطرافاً عربية نفذت او شاركت في الهجمات الارهابية في نيويورك وواشنطن. الدرس الاول الذي عليها ان تتعلمه هو من التنديدات القوية بالانفجارات التي أتت من شخصيات وتنظيمات اسلامية، مثل الرئيس الايراني محمد خاتمي والسيد محمد حسين فضل الله وشيخ الأزهر الشريف الشيخ محمد سيد طنطاوي وحركة الاخوان المسلمين.
أما الدرس الثاني، والذي عليها ان تنبذه، وهو من الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، إذ لا ينبغي عليها ان تتعلم من اسرائيل كيفية الانتقام من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة بأسلوب عشوائي وغريزي كلما وقع انفجار في تل ابيب أو نهاريا، فتجربة الانتفاضة اثبتت مثلما حدث ذلك عبر التاريخ الانساني كله، أن ارهاب الدولة لا يقضي على الارهاب وسيكون من المدهش حقاً ألا تكون الولايات المتحدة قد تعلمت ذلك بعد.
               صفوة القول (18)

               مختارات من اراء وقضايا

مشروع بديل ديموقراطي أم “وجبة سياسية سريعة” على الطريقة الاميركية ؟ 
صلاح النصراوي جريدة الحياة 2 اكتوبر 1998 

فجر الحادي والثلاثين من آب اغسطس 1996 فوجئ سكان محلة عين كاوة في أربيل بالاميركيين الستة الذين يسكنون في المنزل الرقم 23/7، الذين طالما تساءل جيرانهم عن طبيعة مهمتهم الغامضة، يهرعرون تحت جنح الظلام الذي بدأ يتبدد فوق سماء مدينتهم، الى سيارة “التويوتا لاندكروز” البيضاء التي كانت تنتظرهم وسرعان ما أخذت تنهب بهم أرض الشارع العريض القريب في اتجاه صلاح الدين، ثم بعد ذلك نحو الحدود التركية.
ولم يكن ما خلفوه وراءهم مجرد اجهزة هاتف تعمل بالأقمار الاصطناعية وكومبيوترات ومعدات أخرى ووثائق مهمة تتعلق بمحطة للمخابرات المركزية الأميركية كانوا أقاموها في شمال العراق فقط، بل لعل الأهم من ذلك كله هو حوالي 1500 شخص من اعضاء “المؤتمر الوطني العراقي” المعارض وانصاره الذين كانوا يمولونهم كجزء من خطة لإسقاط النظام العراقي.
بعد حوالي ست ساعات من بزوغ شمس ذلك النهار كانت قوات الحرس الجمهوري تحتل مدينة أربيل التي فرّت منها قوات “الاتحاد الوطني الكردستاني”، لعجزها عن الدفاع عنها أمام زحف دبابات الحرس. ما هي إلا ساعات قليلة أخرى حتى كانت القوات الزاحفة تطوق المعسكر القريب الذي أقامه “المؤتمر الوطني العراقي” لمقاتليه ومقر اذاعته في منطقة قوش تبة. بقية القصة معروفة للجميع.
إذ أن من بين مئة عامل في الاذاعة قيل ان اثني عشر فرداً فقط هم الذين نجوا من الإعدامات السريعة التي نفذت حالاً، بينما لقي مئة آخرون من الموجودين في المعسكر المصير نفسه، اثر انهيار مقاومتهم بعد قليل من انتصاف ذلك النهار، وبعدما يئسوا تماماً من وصول القوات الاميركية التي ظنوا انها لا بد ان تكون قادمة لحمايتهم من هجوم الحرس الجمهوري. السؤال الذي بقي من دون اجابة حتى بعد موتهم التراجيدي ذلك، هو أين كانت الحماية الاميركية التي وُعدوا بها أو توقعوها ضمن تصورهم لمشروع إسقاط النظام العراقي المدعوم اميركيا، والمنطلق من منطقة كانت ولا تزال تسمى “الملاذ الآمن”.
اليوم يطرح التساؤل من جديد على خلفية القرار الذي تبناه الكونغرس الاميركي بمجلسيه وبغالبية كبيرة في شهر أيلول سبتمبر الماضي، وهو يدعو إدارة الرئيس كلينتون لتخصيص مبلغ 97 مليون دولار كي تقدَّم على شكل أسلحة وتجهيزات وتدريب عسكري الى معارضين عراقيين بهدف قيامهم باطاحة النظام القائم وإقامة بديل ديموقراطي له.
هذا التساؤل يطرحه كل معني بالشأن العراقي من قريب أو بعيد. البعض مستخف على طريقة وهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟ أو مشكك بالنيات الاميركية وفي حقيقة وجود رغبة لدى واشنطن في إحداث أي تغيير في العراق. بينما هناك من يقف متوجساً، سواء من الاهداف الحقيقية التي تكمن وراء المشاريع والخطط المطروحة، أو من إمكان وجود معارضة وطنية حقيقية ترضى بأن تلعب الدور المطلوب علناً وعلى رؤوس الأشهاد. وعموماً، وبغض النظر عن المواقف المسبقة، فإن للجميع تساؤلاتهم الجادة عما يمكن ان يعنيه كل هذا الحديث عن الخطط الاميركية لقلب نظام الحكم في العراق بالقوة المسلحة كما عبر عنها قرار الكونغرس المذكور؟
من ناحية الشكل فإن تشريع “تحرير العراق” هو بكل المقاييس تطور جذري في أسلوب التعامل الاميركي مع الملف العراقي، إذ ان هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الكونغرس بإصدار قانون وبغالبية كبيرة لا يدعو فيه فقط وبشكل واضح وصريح الى اسقاط النظام العراقي، بل أيضاً يخصص موارد كبيرة من أموال دافع الضريبة الاميركية لتنفيذ المشروع.وعندما تتم الموافقة عليه واعتماده من جانب الإدارة فإن الأمر سيتعدى حينئذ النيات المجردة، وينتقل بالضرورة الى حيز العمل الميداني.
إن مجرد تبني المشروع بشكل تشريع عن الكونغرس، لا يمنحه فقط الإطار القانوني اللازم لتحويله الى ميدان التنفيذ من قبل الأجهزة التنفيذية المعنية بل الأهم من ذلك يجعل منه التزاماً سياسياً جدياً من جانب الولايات المتحدة ذاتها تجاه قضية أصبحت تحتل شيئاً فشيئاً مكانة بارزة في الجدل وربما أيضاً في الصراع الداخلي الأميركي.
ثم إن أخطر ما يمثله قرار الكونغرس عند وضعه موضع التطبيق، هو أنه من المنظور الاستراتيجي والعملياتي سيكون نقلة نوعية تزيل الكثير من الغموض في التوجهات الاميركية نحو المسألة العراقية، وتضع أولويات جديدة في إطار الرؤية الاميركية الشاملة للأمن والمصالح القومية في منطقتي الخليج والشرق الاوسط والتهديدات التي تواجهها.
ومع هذا فإن التساؤلات الرئيسية التي تواجه هذا المشروع هي من الأهمية بمكان حتى أن تحليلها الرصين فقط هو الذي يوفر جواباً على مدى جديته، وعلى مدى رغبة الولايات المتحدة في الانغماس في الموضوع العراقي الى مدياته القصوى، أو الاكتفاء بتطبيقات متنوعة لسياسة الاحتواء المتغلغلة في عقلية صناع السياسة الاميركية، تاركة الموضوع ينضج كما هو الآن على نار هادئة.
إن اول التساؤلات يتعلق بمشروعية أن تقوم دولة كبرى لها مسؤوليات والتزامات سياسية وقانونية وأخلاقية بالعمل السافر على إسقاط نظام حكم معين مهما كان موقف شعبه وموقف المجتمع الدولي منه وتحت أية شعارات براقة كانت. حقاً إن للقطارات الاميركية سجلاً حافلاً بنقل العديد من الأنظمة الى محطات السلطة في العالم الثالث، لكن هذه ستكون المرة الأولى التي ستعمل فيها الولايات المتحدة علناً من دون استحياء على تنفيذ مشروع لإسقاط حكومة وتنصيب مجموعات لن ينظراليها شعبها أو المجتمع الدولي والرأي العام الاميركي، شاءت أم أبت، إلا من زاوية كونها “عميلة وخائنة”.
وثاني هذه التساؤلات عن مدى تطابق مشروع هدفه المعلن اسقاط نظام حكم عن طريق التدخل المباشر والتآمر مع قوى معارضة للنظام تحت يافطة إحلال نظام ديموقراطي مع مجمل الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، التي لا يعرف عنها انسجامها مع مثل هذه الشعارات، ولا تتوفر أدلة مقنعة على أن الديموقراطية بدأت تشكل أحد الخيارات والبرامج الاساسية لصانعي السياسة الاميركية، التي ظلت تتخذ مواقف متخاذلة تجاه قضية الديموقراطية في المنطقة تحت ذريعة المصالح والمنافع المتبادلة.
وفي هذا السياق، كيف سيكون موقف الدول الأخرى ورد فعلها في المنطقة وفي العالم إزاء تجاوز الدور الاميركي الخطوط المقبولة حالياً، وما هو أيضاً رد الفعل المتوقع من قطاعات الرأي العام العربي رغم التقديرالتقليدي السلبي له من جانب صناع السياسة الاميركية؟
وثالث هذه التساؤلات عن واقعية مثل هذا المشروع بأدواته وسبله المقترحة، لإسقاط نظام مثل النظام العراقي متمرس في فنون المؤامرة والبقاء، ومتمترس خلف معادلات إقليمية ودولية لا يزال يتشبث بها كطوق نجاة. لماذا يعتقد زعماء الكونغرس أن هذا المشروع بالذات سينجح في الوقت الذي فشلت مشاريع قبله، وامكان وجود سيناريوات اقل كلفة سياسية وإنسانية؟
لماذا سيكون ممكناً مثلاً اسقاط النظام بمبلغ 97 مليون دولار، وعلى أي اساس موضوعي أو اي دراسات جدوى تم حساب هذه الكلفة؟ ما هي الاسلحة التي سيتم تجهيز قوى المعارضة بها وعن أي طريق سيتم ادخالها الى العراق، وأي دولة مجاورة سترضى بسابقة مثل هذه أو تكون مستعدة للمشاركة في مثل هذا المشروع؟ كيف وأين سيتم تدريب مجموعات المعارضة التي ستتولى العمليات القتالية، ومن أي أرض ستنطلق؟ هل تم التشاور مع الاطراف الاقليمية المعنية وهل يمكن تنفيذ المشروع من دون مباركتها ومشاركتها؟
رابع هذه التساؤلات عن أي معارضة يتحدث المشروع الجديد؟ يشير تشريع الكونغرس الى الدعوة الى بناء معارضة عراقية ديموقراطية وتأهيلها لتسلم السلطة بعد اسقاط النظام، ما يثير تساؤلات أخرى عن صورة اللعبة التي تنوي الولايات المتحدة إدارتها مع معارضة تقرّ هي ذاتها في تقرير رسمي مهَّد للمشروع العتيد، بأنها تتوزع على 72 تنظيماً تتباين انتماءاتها سياسياً وقومياً ودينياً ومذهبياً، وتتوزع ولاءاتها وفقاً لخريطة وجودها الجغرافي، ما جعلها بالتالي مهمشة ومنقسمة ومشتتة ومنهكة وعاجزة عن الانخراط في أي مشروع للتغير، حتى ولو كان في درجة بؤسه وتهافته من طراز مشروع “تحرير العراق” ومهما وفر الكونغرس من امكانات مادية له.
وفي الحقيقة، رغم ان وجود واجهات المعارضة التي ستأخذ على عاتقها تنفيذ مقاولة المشروع هو حجر الاساس فيه، إلا انه لا يبدو حتى الآن أن الاغراءات المعروضة كافية لكي تجرّ اليه القوى الاساسية الرافضة لأسباب مبدئية وطنية وعقلانية، أو المترددة لاسباب تتعلق بالشكل السافر للإعلان عنه، أو بسبب عدم يقينها بجدية الالتزامات الاميركية، أو لاسباب اخرى تتعلق بحسابات شتى، لعل أهمها تلك التي ترتبط بالوضع الاقليمي الناتج من وجودها فيه.
خامس هذه التساولات عن الاثنين والعشرين مليوناً من العراقيين الذين يراد تحريرهم وبناء نظام ديموقراطي لهم، حسب ما يبشر به المشروع، من دون ان يكون لهم أي دور أو صوت، وكأنهم أصبحوا مجرد قطيع تتولى قيادته حفنة من محترفي العمل في القنوات السياسية والمقاولين والسماسرة تحت واجهات وهمية ومضللة. ولعل هذا بالذات هو الجانب الاكثر سوءاً والاكثر ازعاجاً الذي إذا ما قيض له النجاح، فمن المؤكد أنه لن ينتج الا دكتاتورية بائسة أخرى، لكنها لن تستطيع هذه المرة أن تخفي هويتها أو الوظيفة التي قبلت بأن تقوم بها نيابة عن الآخرين. هذا طبعاً إضافة الى الخسائر المادية والمعنوية والسياسية التي يصعب تصور مداها الآن، ويمكن ان تنتج عن سيناريو مغامرة، لا يقوم على اساس واقعي وبإسناد شعبي حقيقي، ويفتقر الى برنامج سياسي للتغيير يستجيب الحاجات والمطالب الوطنية.
طبعاً، من دون ادنى شك، ان النظام الذي يتحمل وزر ما آلت اليه الاوضاع في العراق من تدمير وخراب خلال ثلاثة عقود، يجب ان لا تركن مسؤوليته على الرف أبداً ويجب ألا تترك لذمة التاريخ. ولكن النظر الى المستقبل يتطلب ايضاً، ليس فقط الوعي بالتجارب الخطيرة التي أدت الى وصول العراق الى ما هو عليه، بل الأهم من ذلك تفادي تكرارها. إن هذا متروك بطبيعة الحال لعقل وضمائر من يتصدرون العمل الوطني بشجاعة وحكمة وشرف. ولكن دور العراقي العادي، خصوصاً المثقف، هو ان يبقى صاحياً باستمرار ومتصدياً بالبحث والمكاشفة والنقد للمشاريع المغرية التي تختزل القضية الوطنية مرة اخرى الى مجرد رحلة في قطار اميركي يوصل الى سلطة بعد تناول وجبة سريعة من الديموقراطية.
* صحافي عراق

ستقبل الشيعة فى عراق ما بعد صدام

                                             صفوة القول (١٧)
                                             مختارات من اراء وقضايا
ستقبل الشيعة فى عراق ما بعد صدام
المصدر: السياسة الدولية-اكتوبر ٢٠٠٣ 
سلط انهيار نظام الرئيس العراقى السابق صدام حسين الأضواء من جديد على المسلمين الشيعة وعلى الدور السياسى الذى يمكن أن يلعبوه ليس فى تحديد معالم عراق المستقبل وهويته بل وفى رسم مستقبل منطقة الشرق الاوسط برمتها نظرا للإمدادات المذهبية الشيعية فى المنطقة وازدياد دورهم منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 من جهة والتفاعلات الجيوبولتيكية التى من المتوقع أن يطلقها التغير فى العراق من جهة ثانية هذا محاولة لاستقراء الوضع الشيعى فى عراق ما بعد صدام لكن اولا من هم الشيعة؟
 الشيعة طائفة من المسلمين والتشيع مذهب يقوم أساسا على أن الولاية أى امامة على بن ابى طالب وأولاده من بعده وخلافتهم للنبى محمد فى أمور المسلمين الدينية والحياتية هى أحد أعمدة الدين مثلها مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج ويذهب البعض من الشيعة إلى أن الولاية أفضل هذه الأعمدة لأنها (أى الولاية) مفتاحهن والأولى هو الدليل عليهن وشأنهم شأن باقى المذاهب الإسلامية لجأ الشيعة إلى الأدلة النقلية والعقلية فى محاولة لاثبات دعواهم والتى ارتكزت إلى القرآن والسنة النبوية التى وردت فى كتبهم وتراث آل البيت اضافة إلى أدلة العقل والإجماع.
وكان المخزون الثرى للفقه الشيعى الذى ظل منافحا عن نهج الولاية عبر العصور قد طور فكرا سياسيا تراكميا تناول مفاهيم الدولة والحكومة والقيادة السياسية وفقا للاطار الإسلامى الذى يرمى إلى إقامة الأمة غير المرتكزة على الوحدات الجغرافية أو التاريخية أو اللغوية أو المصالح الاقتصادية بوصفها مكونات الدولة القومية والمبررات الكبرى للدولة الحديثة يرتبط التشيع بمفهوم الغيبة وهو مفهوم جوهرى فى العقيدة الشيعية قائم على اعتقاد القطاع الأوسع من الشيعة وهم الأمامية الاثنى عشرية بغيبة الإمام محمد (المهدى) بن الحسن العسكرى (260 هجرية) فى ظروف غامضة مما أدى إلى انقطاع مادى لسلسلة القيادة الدينية والسياسية للطائفة نتجت عنه اشكالية أساسية تتمثل فى بقاء الشيعة دون إمام معين من قبل الله فى تسلسل وراثى ومعصوم طالما كانوا يرفضون مبدأ التعيين والشورى.
ولأن الغيبة تتناقض مع فلسفة الامامة التى تقول بأن الأرض لا يجوز أن تخلو من امام فقد استنبط متكلمو الشيعة وفقاؤهم عبر العصور نظرية الانتظار أى انتظار عودة وظهور الامام المهدى وهى النظرية التى شكلت لاحقا جوهر الفكر السياسى الشيعى وخاصة فيما يتعلق بحل اشكالية التشريع والقيادة فى عصر الغيبة والتى انطلقت من نظرية النيابة عن الامام الغائب ثم تلاها مفهوم المرجعية ثم توج كل ذلك بنظرية ولاية الفقيه التى وجدت تطبيقها العصرى على يد الامام الخمينى فى إيران عموما فإن التشيع فى تكوينه التاريخى ظل ظاهرة احتجاجية على الدولة البشرية كما بقى مقصده النهائى تأسيس الدولة الدينية الإلهية على الأرض لكن الفكر الشيعى المرتكز على نظريات الامامة والغيبة والانتظار والولاية بقى خليطا من المقاصد التى تبرر وجود واستمرار التشيع من جهة ونفورا من الواقع ومن السلطة من جهة ثانية انعكست دائما على الفقه السياسى الشيعى الذى وصل به إلى حد مقاطعة ورفض مجرد التفكير فى السلطة حتى فى اطارها النظرى والتجريدى وتاليا الاعتصام بالتقية كأحد افرازات وردود الفعل الشيعية لكن وبالرغم من الوعى الانتظارى الذى غلف هذه النظريات إلا أن مجمل الفكر السياسى الشيعى ظل مستندا إلى قواعد اجتهادية عقلية منحته حيوية ومرونة فائقة تبرز أهم تجلياتها اليوم فى تيارات داعية إلى مواكبة الجديد الفكرى على القديم التقليدى النقلى وفى ما يخص موضوعنا تنوع الخطاب الشيعى بل والممارسة أيضا حسب المعطيات الوطنية والموروث التاريخى لكل بلد أو حضارة الوضع الجيبوليتيكى: فى الوقت الذى تسيطر فيه أغلبية شيعية مطلقة على إيران التى يبلغ عدد نفوسها أكثر من 70 مليون نسمة ليست هناك ارقام نهائية حول عدد الشيعة فى العالم بسبب الغياب المتعمد للاحصائيات الدقيقة إلا أن معظم التقديرات تشير إلى وجود حوالى 140 مليون شيعى منهم حوالى 30 مليون فى العالم العربى موزعون على تجمعات رئيسية فى العراق ولبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ومتنوعون مذهبيا بين أغلبية امامية واقلية زيدية واسماعيلية ومنهم من يضع العلويين والدروز ايضا بين الشيعة كما انهم منقسمون سياسيا كما حركة أمل وحزب الله فى لبنان والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والدعوة ومنظمة، العمل الإسلامى فى العراق اضافة إلى حقيقة انخراط الشيعة فى التيارات السياسية العامة غير الدينية وهو البعد الغائب غالبا عن الجدال فى الموضوع الشيعى ويمثل الانبعاث الشيعى فى المنطقة منذ الثورة الايرانية عام ـ 1979عاملا جيوبولتيكيا مؤثرا من المؤكد انه سيزداد أهمية بعد التغيير الاخير فى العراق فقد عانت الطوائف الشيعية فى معظم دول المنطقة من التمييز والتهميش السياسى والاجتماعى بل واحيانا من الاضطهاد بسبب وجودها وسط بحر من السنة الذين يقر البعض بهم على مضض كطائفة إسلامية بينما يكفرهم البعض الآخر إما بسبب شدة التيار السلفى أو بسبب تلك الآثار الطائفية التى خلفتها الدولة العثمانية وصراعها الجيوسياسى مع منافستها التاريخية إيران وقد جاءت الثورة الإيرانية لكى تضع الشيعة مجددا تحت الضوء ليس لأنها وضعت علماء الدين الشيعة فى سدة الحكم فى بلد أغلبيته العظمى شيعية، بل بسبب المخاوف التى فجرتها إقليميا ودوليا الحركة الثورية التى اطلقتها فى العالم الإسلامى وعوامل القوة الناشئة عنها فى منطقة شديدة الحساسية للتيارات الثورية وفى وقت تعمقت فيه الهوة بين الحكام والمحكومين وتنامت فيه دعوات الإصلاح والتطوير فى البلدان الإسلامية والأكيد أن الثورة الإسلامية فى إيران وبعض افرازاتها كزيادة المد الإسلامى فى المنطقة والحرب العراقية الإيرانية وانبثاق المقاومة الشيعية ضد إسرائيل فى جنوب لبنان وتنامى الصوت الشيعى فى منطقة الخليج وضعت الشيعة فى المنطقة أمام تحديات كبيرة إلا أن نتيجتها الأهم هى انها نجحت ليس فقط فى نقلهم إلى أوضاع جديدة أفضل أصبح فيها تهميشهم عبئا على الوسط العام الذى يعيشون فى كنفه بل جعلتهم رقما سياسيا مهما فى المعادلة الإقليمية وربما الدولية وبالنسبة لشيعة العراق فقد ظلوا مهمشين سياسيا منذ سقوط الدولة العثمانية وخلال كل الادارات المتعاقبة حتى وصلت قمة التهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى تحت سلطة نظام صدام حسين على الرغم من وقوفهم ضد إيران فى الحرب التى شنها صدام تعبيرا عن مشاعرهم الوطنية والقومية العربية وعلى حساب صلاتهم المذهبية مع إيران هذا التهميش أصبح يشار اليه من قبل الشيعة العراقيين بمشكلة الطائفية والتمييز الطائفى التى تتربع الآن مسألة معالجتها على رأس الأجندة الشيعية بعد سقوط نظام صدام والواقع أن الدولة العراقية عانت منذ تأسيسها عام 1921 من علة أساسية كانت ولا تزال السبب الرئيسى فى ما واجهته من متاعب وما حل بها من رزايا ونكبات وهذه العلة تكمن فى تسلط أقلية صغيرة من الشعب العراقى على زمام الحكم واستئثارها به وانفرادها بممارسة سلطاته وحرمان بقية الفئات ولا سيما الأكثرية الشيعية العربية والأقلية الكردية وفى تفسير ذى صلة بالموقف الشيعى من عملية التغيير التى تجرى الآن فى ظل الاحتلال الأمريكى يعزو الشيعة ذلك التمييز الطائفى إلى قيام البريطانيين بعد احتلالهم للعراق عام 1917 ولأسباب تتعلق بقيام الشيعة بمقاومة الاحتلال البريطانى وتفجيرهم الثورات بوجهه بمنح الحكم للأقلية العربية السنية التى تفتقر إلى دعم الأكثرية الشيعية العربية والأقليات الأخرى مثل الكرد والتركمان وتمثلت هذه السياسة البريطانية منذ البداية باقصاء الشيعة عن المناصب المهمة فى الدولة مثلما تميزت بانحياز الموظفين البريطانيين وتعصبهم ضد الشيعة فقد كتبت المس جيرترود بيل سكرتيرة المندوب السامى وصانعة العراق الحديث ردا على الاحتجاجات الشيعية ضد عدم تمثيلهم بشكل مناسب فى مجلس الدولة بقولها فى مذكرة شهيرة بعثت بها إلى مقرها فى لندن أما أنا شخصيا فابتهج وافرح أن أرى هؤلاء الشيعة الأغراب يقعون فى مأزق حرج فانهم من أصعب الناس مراسا وعنادا فى البلاد لقد أدت هذه السياسة التى اتبعها المندوب السامى البريطانى بيرسى كوكس فى إقصاء الشيعة إلى موقف متعال من السنة ضد الشيعة وموقف عدائى شيعى من السنة وهو الأمر الذى أدى إلى تصاعد مشاعر الضغينة والاحساس بالظلم ففى أول حكومة شكلت بعد الاحتلال كان نصيب الشيعة مقعدا وزاريا واحدا أعطى لشخصية ثانوية بينما حاز السنة على أغلب المناصب العليا ومنها مناصب المحافظين فى المدن الشيعية وهو وحده كاف لادراك الشعور بالحيف الذى شعر به شيعة العراق على الرغم من تصدرهم للنضال ضد الاحتلال ولو إن الشيعة أعطوا قسطا وافرا من المشاركة فى حكومة فيصل الأول الذى نصبه البريطانيون ملكا على العراق عام 1921 لكان فى الامكان تجنب الكثير من الاختبارات المرة وكثير من الاضطرابات الدامية ومع ذلك يجدر التوقف عند حقيقية مهمة فى هذا المجال وهو ان المشكلة الطائفية فى العراق ليست مشكلة بين الشيعة والسنة بل هى مشكلة على صعيد نظام الحكم نشأت من تضافر مجموعتين من التحولات تتعلق الاولى بالدولة والثانية بالمجتمع فى علاقته بالدولة حيث المقصود من التحولات المتعلقة بالدولة بنية السلطة وآليات عملها وكل ما يتعلق بالبنيان السياسى من تأسيس الشرعية والسيادة وتداول السلطة وتحقيق القيادة الاجتماعية وهى بمجملها تمثل اغتراب الدولة العراقية الحديثة عن مجتمعها او غربتها وما يرتبط بها من تكلس وعلاقة عنف وقوة بين الطرفين وهو الأمر الذى يجعل من الطائفية مرافقة للدولة التسلطية أكثر تجليات التمييز الطائفى ضد الشيعة فى العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة تكمن فى قانون الجنسية العراقية وتعديلاته بسبب الشروط التى وضعها لاكتساب الجنسية والتى حرمت مئات الآلاف من العوائل الشيعية منها بحجة تبعيتهم الإيرانية وقصرتها على التبعية العثمانية اضافة إلى ذلك فإن أبرز مظاهر التمييز الطائفى ضد الشيعة تمثلت بهيمنة السنة على الدولة وحرمانهم من المناصب الرئيسية مثل منصب رئيس الدولة ومن المراكز الأساسية فى الدولة والمناصب القيادية فى الجيش والسلك الدبلوماسى ومن بين الأدلة التى يطرحها الشيعة على التمييز ضدهم فى العهد الملكى والذى شيد أساس الطائفية السياسية فى المراحل اللاحقة هو نسبة التمثيل الشيعى فى المجالس النيابية بين عامى 1921 و 1958 شكلت 30 40 % فقط من مجموع عدد أعضائها ولعل أهم مظاهر التمييز الأخرى هى التضييق على قياداتهم الروحية وعدم السماح للشيعة بممارسة شعائرهم الدينية واحيانا حتى بتداول كتبهم الدينية الخاصة وهى الممارسات التى ادت بالتالى إلى تعطيل عمل الحوزة العلمية فى النجف والتى تعتبر مصدر القرار الروحى والشرعى وايضا السياسى لدى الشيعة المتدينين أدى شعور الشيعة بالاضطهاد والتمييز إلى بروز حركات الاحتجاج الشيعى المرتبطة بالحوزة العلمية فى النجف ورجال الدين فى المدن الشيعية الاخرى ككربلاء والكاظمية والتى تطورت لاحقا إلى حركة الإسلام السياسى الشيعى والتى تجاوزت فيما بعد كونها حركة احتجاج ضد الاستلاب الطائفى إلى بلورة مشروع إسلامى متكامل يطرح نفسه بديلا للمشاريع العلمانية باتجاهاتها القومية والشيوعية واللبرالية وتشير المصادر المتوفرة إلى جهود المجتهد النجفى البارز السيد محمد باقر الصدر فى استنفار الحوزة العلمية وتوفير مواردها الهائلة لدعم أول حركة سياسية شيعية برزت فى العراق وضعت استراتيجيتها وتكتيكاتها على أساس تحقيق الهدف النهائى، وهى تسلم السلطة واقامة حكم اسلامى وعلى الرغم من أن بعض المصادر تؤشر إلى أن ظهور حزب الدعوة الإسلامية فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى جاء ردا حوزويا على المخاوف من ازدياد المد الشيوعى واليسارى فى العراق اثر الانقلاب العسكرى الذى قاده عبد الكريم قاسم عام 1958 ولمواجهته إلا أن الحزب وبفضل الأفكار التى صاغها الصدر تبوأ مركزا متقدما فى العمل السياسى والتنظيمى الشيعى قبل أن يصاب بنكسات جدية بسبب حملات القمع والتصفية الجسدية التى طالته من السلطة والتى شملت الصدر نفسه (اغتيل او اعدم عام 1980) إضافة إلى الاختبار الوطنى والقومى الصعب الذى كان على حزب شيعى عراقى ان يمر به امام الانتصار الكاسح للثورة الإسلامية فى ايران والتى هى مشروع إيرانى مهما كانت طبيعته الشيعية وفى الوقت الذى ادت حملات التصفية الدموية إلى اجتثاث معظم قواعد الحزب وهروب القواعد الأخرى وقياداته إلى الخارج، فإن التحدى الذى مثلته الثورة الإيرانية وضع الحزب فى ارتباك وتشوش وأحيانا فى خصومة ونزاع مع منطلقات الثورة الإيرانية وغاياتها التى ما كان بامكان حركة عراقية أن تنوء بها حتى لو تجانست معها فى خلفية مذهبية واحدة ولعل النتيجة الطبيعة للاختبارات العسيرة التى مر بها الحزب وظروف التكيف مع أوضاع المنفى الإيرانى الذى وجد نفسه فيه هو سلسلة الانشقاقات التى حدثت فيه خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات والتى يعود بعضها إلى الخلافات حول مفاهيم ولاية الفقيه والشورى والدولة الإسلامية وأيضا حول حدود العلاقات مع إيران الخمينية وأيضا حول هوية وأهداف الحزب كحركة عراقية والتى أدت إلى شرذمة الحزب وضعف فاعليته ولم تسلم منظمة العمل الإسلامى التى اعتبرت ثانى اهم تنظيم سياسى شيعى يبرز فى تلك المرحلة من مصير مماثل بسبب السجلات الداخلية والتى تمحورت ايضا حول اطروحات الولاية والشورى والقيادة والمرجعية وهى سجلات فقهية كشفت مثلما هو الأمر مع حزب الدعوة عن نخبوية الحركة وضيق افقها وانعدام وجود برنامج سياسى واضح يمكن أن تقدمه أمام اختبار شعبى حقيقى وفى واقع الحال فإن استمرار بقاء المنظمة على الرغم من الانشقاقات العديدة فيها جاء استجابة لدوافع المنافسة التاريخية بين حوزتى النجف التى مثلها حزب الدعوة و حوزة كربلاء التى مثلتها المنظمة وهى منافسة تشير إلى التنوع ولربما إلى الانقسام الذى يسم الحالة الشيعية العراقية فى الاطار المرجعى الدينى أكثر مما يشير إلى الخلافات الفكرية حول المفاهيم الفقهية للخطاب الإسلامى الذى تتبناه الحركتان وشهد عام 1980 ولادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق على يد السيد محمد باقر الحكيم بعد وقت قصير من فراره إلى ايران وتضافرت عوامل عديدة منها الدعم الإيرانى الكبير والتفاف باقى التنظيمات والشخصيات الشيعية العراقية حول الحكيم اضافة إلى ظروف الحرب العراقية الإيرانية لكى تمنح المجلس الفرصة لكى يتبوأ قيادة حركات الشيعة المعارضة لنظام صدام والتى تدعمت لاحقا عبر الدعم السياسى والمادى الذى حصل عليه المجلس من بعض الدول العربية وخاصة بعد حرب الخليج الاولى حيث فتحت الأبواب أمام الحكيم فى كل من سوريا والمملكة العربية السعودية والكويت وقد سمح هذا الدعم والعلاقات التى نسجها المجلس وزعيمه الحكيم مع باقى أطراف المعارضة العراقية لنظام صدام ان يتصدر التمثيل الشيعى فى العمل الذى سبق الحرب الأمريكية على العراق من خلال سلسلة من الاتصالات والاجتماعات التنسيقية مع الطرف الأمريكى والتى كشفت النقاب لاحقا الكثير عن أجندة عمل المجلس وأهدافه ومناهج عمله وتكتيكاته السياسية فى ضوء المبادئ العامة التى يتبناها وإضافة إلى هذه التنظيمات فقد ظهرت خارج العراق مجموعات إسلامية شيعية أصغر مثل حركة المجاهدين العراقيين وجمعية العلماء المجاهدين وحركة جند الإمام والحركة الإسلامية فى العراق لقد اظهرت الفترة التى سبقت الحرب والاستعداد لها اختلافات بين المجموعات الشيعية بعضها جذرى بشأن الموقف من الحرب ذاتها ففى الوقت الذى انخرط فيه المجلس وبعض الشخصيات الشيعية الدينية الفاعلة بنشاط فى دعم فكرة الحرب والتنسيق مع الطرف الأمريكى امتنعت او ادانت اطراف اخرى مثل هذا التعاون بينما أصدر البعض من مجتهدى الشيعة فتاوى إما بتحريم التعاون مع الأمريكان أو الحث على الامتناع عن تقديمه فى نفس الوقت فقد اختار البعض مثل آية الله محمد صادق الشيرازى المرجع الروحى لمنظمة العمل الإسلامى موقفا وسطا تفادى فيه تأييد الحرب لكنه رأى ضرورة اغتنام الفرصة لانقاذ الشعب العراقى المؤمن المظلوم من المظالم كما دعا إلى إزاحة الطغاة وبناء عراق مستقل وموحد على أسس التعددية والمشورة والعدل والحرية أتاح انهيار نظام صدام الفرصة للقادة وللتنظيمات الشيعية التى كانت فى المنفى العودة إلى العراق وكان بعضها مثل السيد عبد المجيد الخوئى نجل آية الله الخوئى الذى جرت فى عهده انتفاضة الشيعة بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 قد عاد على عجل إلى النجف مركز المرجعية الشيعية ورمز قوتها حتى قبل سقوط نظام صدام فى بغداد ما بدا صراعا واضحا للسيطرة على الشارع الشيعى الذى كان متوقعا انطلاقه بقوة حال سقوط النظام وأشر مقتل الخوئى الذى نقل سريعا مع مجموعة صغيرة من أعوانه من مقره فى لندن إلى البحرين ثم إلى النجف بواسطة القوات الأمريكية إلى حقائق جديدة فى الوضع الشيعى الذى بدا متهيئا للتعامل مع افرازات سقوط نظام صدام بشكل مغاير تماما للتصورات والحسابات التى وضعتها تنظيمات المنفى الشيعية وربما المخططون الأمريكيون فقد كشف مقتل الخوئى الذى ألقيت تبعاته على جماعة شيعية ناهضة فى الداخل وهى جماعة تدين بولائها إلى المرجع الشيعى محمد صادق الصدر الذى اتهمت أجهزة نظام صدام حسين بقتله عام 1999 واتضاح مدى قوة تيار الصدر فى معظم المدن الشيعية إضافة إلى الخلاف الذى حصل بين الخوئى وآية الله العظمى السيد على السيتانى بشأن فتوى نسبها الأول للثانى حول تأييد قوات الغزو الأمريكية إن الساحة الشيعية ومرجعياتها الفقهية وخارطتها السياسية مرت بتغيرات جذرية جعلتها مختلفة تماما عن تلك التى سادت فى الفترة التى نشطت فيها الأحزاب القديمة وسرعان ما اتضح أن هناك أربعة اتجاهات دينية / سياسية تتنازع القيادة على الشارع الشيعى فى العراق سيكشف المستقبل القريب كيف ستتفاعل مع الواقع الجديد وكيف ستستجيب لتحدياته الاتجاه الاول هو الحوزة العلمية فى النجف أى قمة مؤسسة المرجعية الشيعية والتى يأتى على رأسها الآن السيستانى ومن ثم آيات الله محمد اسحق فياض وحسين بشير الأفغانى ومحمد سعيد الحكيم وفى الوقت الذى تحوز هذه المرجعية على الاحترام والتقدير من معظم الشيعة العراقيين إلا أن شكوكا كثيرة يمكن أن تحيط بقدراتها على التعبئة السياسية لأسباب تتعلق اما بأطروحتها بشأن موضوع الولاية والدولة الإسلامية وابتعادها خلال السنوات الماضية عن أى نشاط تعبوى وتفرغها للدرس الدينى وأيضا كونها عدا الحكيم غير عراقية الاتجاه الثانى هو تيار الصدر الذى اثبت قدرة تعبوية هائلة منذ سقوط النظام تمثلت بالسيطرة على أكبر تجمع شيعى فى العراق وهو مدينة الثورة وهو حى عشوائى على حافات بغداد الشرقية يقطنه أكثر من مليونى شيعى والذى حوله النظام البائد إلى مدينة صدام ثم سماه التيار بعد السيطرة عليه مدينة الصدر اضافة إلى ذلك فإن التيار الذى يقوده مقتدى الصدر ابن المرجع القتيل اثبت قدرة تعبوية ملحوظة فى باقى المدن والاحياء الشيعية وانشأ مليشيات خاصة به ادارت الأمن بعد انهيار السلطة مما يدل على طموحات واضحة لدى هذا التيار للدخول فى منافسة شرسة مع باقى الاتجاهات للسيطرة على الشارع الشيعى فى العراق ليس لهذا التيار خبرة سياسية وتنظيمية لكنه يمتلك تراثا فقهيا وفكرا شيعيا سياسيا غنيا خلفه له الصدر اضافة إلى تخندقه الواضح وراء عصبوية عراقية عروبية يواجه بها إيران والتنظيمات الوثيقة الصلة بها والمرجعيات ذات الاصول الإيرانية وكذلك ادعاءه عن جدارة بأنه ناهض نظام صدام فى الوقت الذى صمت فيه الآخرون أو خاضوا جهادهم خارج العراق الاتجاه الثالث يتمثل فى الأحزاب والحركات المنظمة مثل الدعوة بمختلف فصائله ومنظمة العمل الإسلامى وباقى المجموعات الصغيرة وافراد عملوا فى إطار هذه الجماعات قبل ان يتركوها ويعودوا للوطن هذه الحركات مثقلة بالجراح والانشقاقات والارتباطات التى انشأتها فى بلاد المنافى وتحاول الآن أن تنقلها معها إلى واقع جديد مختلف تماما عما عرفته ونشط فيها اعضاؤها فى السبعينات والثمانينات هذه المجموعات تواجه تحديات جمة تتمثل فى كونها ستخرج من إطار السرية والعمل الدعوى فى ظل العنف والعنف المضاد وستمارس العمل السياسى العلنى بآلياته الطبيعية لأول مرة مما يحتم عليها ضرورة التكيف مع الواقع كما هو على الأرض وليس فى اطار مفاهيم شيعية عامة أو برامج وضعت لمواجهة تحديات فترة مختلفة لأول مرة سيكون أمام هذه الأحزاب فرصة لكى تثبت انها تستند إلى قواعد جماهيرية حقيقية وانها تقدم لهم حلولا لمشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليست مجرد حركات نخبوية وعظية أو احتجاجية أو تنظيمات طوباوية تهيم فى عالم رمزى وطقوسى بعيد عن الواقع الاتجاه الرابع هو الذى يمثله المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق والذى حاز على اهتمام اعلامى منذ نشأته لأسباب بعضها يعود لنفوذه الواسع وسط شيعة المنفى والذى اكتسبه من الدعم الكبير الذى قدمته إيران له وكذلك الالتفاف الكبير حول قيادة زعيمه محمد باقر الحكيم نظرا لماضيه وتاريخ عائلته وخاصة والده آية الله محسن الحكيم الذى تولى المرجعية فى النجف قبل الخوئى اضافة إلى انخراطه النشيط فى جهود المعارضة لاسقاط نظام صدام ومنها المؤتمرات الاخيرة التى رعتها الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من الاستقبال الذى حظى به الحكيم من انصاره فى بعض المدن عند عودته إلى العراق إلا انه بالتأكيد لا يقارن بعودة الخمينى التاريخية إلى طهران والتى شرعت له الطريق لاحقا لاعلان الجمهورية الإسلامية فى إيران وكان الاستقبال والقدرة المحدودة التى اظهرها نشطاء المجلس فى السيطرة على بعض المناطق دليلا على تواضع حجم الشعبية التى يتمتع بها مقارنة بالسمعة التى سبقته مما يضع الحكيم والمجلس أمام تحديات جمة لاثبات حقيقة ادعائه تمثيل الشيعة وكونه المتحدث باسمهم كما درج عليه فى مؤتمرات المعارضة السابقة. يعانى المجلس من نقاط ضعف عديدة أهمها هو ارتكازه على شخصية الحكيم وعائلته وضعف هيكليته التنظيمية مما يوحى بأنه ليس حركة سياسية بقدر ما هو تجمع نخبوى لمجموعة تلتف حول مرجع دينى وسياسى دون برنامج عمل سياسى مفصل وواضح نقطة الضعف الثانية هى مشاركته فى نشاطات ومؤتمرات المعارضة السابقة التى رعتها الولايات المتحدة لاسقاط نظام صدام والتى استخدمتها كذريعة لشن الحرب والاحتلال قبل أن تتعرض علاقات الطرفين للاهتزاز بسبب نكاية الإدارة الأمريكية بالمجلس وكأن الأمر كان استخدام واشنطن للمجلس كورقة توت شيعية للمشروع الأمريكى فى العراق نقطة الضعف هذه ستتعمق مع اتساع الهوة المتوقع بين برنامج التغير الذى ستسعى الولايات المتحدة إلى تنفيذه فى العراق والذى اعلنت بوضوح استبعاده لخيار الدولة الإسلامية أو أى طابع لأسلمة الدولة وبين اطروحات الحكيم والمجلس نقطة الضعف الثالثة هى موقف الحكيم والمجلس من مبدأ ولاية الفقيه والتزامه بما يمكن تسميته بنمط عراقى من مشروع الإسلام السياسى الإيرانى القائم على مبدأ ولاية الفقيه ولا يخفى الحكيم رؤيته لمفهوم الولاية التى يتولاها المرجع والتى تتضمن اضافة إلى تشخيص معالم العقيدة الإسلامية بجميع تفاصيلها الاخلاقية والاجتماعية والفتوى وبيان تفاصيل الأحكام الإلهية والمواقف الشرعية مسؤولية إدارة شؤون المسلمين أو ولاية أمورهم فى اقامة الدولة الإسلامية وإقامة الحكم الإسلامى وقيادة عملية التغيير فى المجتمع الإسلامى وعلى الرغم من أن الحكيم حاول فى مواقفه الأخيرة طمأنة المعارضين لهذا النهج من خلال دعوته إلى الرجوع إلى إرادة الشعب العراقى فى الإدارة ونظام الحكم والمشاركة الشعبية الدستورية فى القرار السياسى والاجتماعى وتشكيل الحكومة الوطنية التمثيلية وتأكيده على اقامة المجتمع المدنى الذى يلتزم بوجود المؤسسات السياسية الحرة والمتعددة والصحافة الواعية والقضاء العادل من خلال دستور يقره الشعب ونظام يقوم على أساس التعددية السياسية والانتخابات الحرة إلا أن عودته احيت النقاش حول دور الحركات الدينية الشيعية فى عراق المستقبل نقطة الضعف الرابعة هى علاقة المجلس مع المرجعية الدينية فى النجف وخاصة مرجعية السيستانى والتى تحظى باحترام وولاء وتقليد الأغلبية من القبائل الشيعية فى جنوب ووسط العراق والتى سيكون أى تعارض بين آرائها وممارسات المجلس تكريسا لازدواجية القيادة ومصدر توتر وخلاف قد ينعكس على الوضع الشيعى بشكل عام لقد اختار السيستانى طيلة حياته فى النجف التى انتقل اليها فى اوائل الخمسينات منهج استاذه الخوئى فى الابتعاد عن الانخراط فى العمل السياسى كما انه انتهج فقهيا بشأن مبدأ ولاية الفقيه منهجا وسطيا رفض فيه الولاية المطلقة للفقيه التى قال بها الخمينى واستنبط مبدأ الولاية التنفيذية التى تنحصر باعمال الفتوى الشرعية مبنية على الإدراك العقلى وليس النقلى وفى الإطار التنفيذى وليس التشريعى وكل هذه افكار تتعارض مع الاطروحات القائمة فى قيادة الدولة الإسلامية فى إيران التى ارتبط بها الحكيم لسنوات طويلة هناك ما يشير إلى صفقة توصل اليها الرجلان قبل وصول الحكيم إلى العراق وهى تقوم على إقرار الحكيم بمرجعية السيستنانى الدينية فى الوقت الذى سيترك فيه للحكيم المرجعية السياسية وهو ما يشير اليه بيان اصدره مكتب السيستانى فى لندن يوم 14 مايو ذكر أن الحكيم آية الله امضى 23 عاما فى الجهاد والنضال مما اكسبه خبرة سياسية ممتازة واليوم وبعد أن من الله على الشعب العراقى بزوال نظام الجور والطغيان والاستبداد اصبحت الحاجة ضرورية وملحة لوجود سماحته ليقوم بواجبه الشرعى تجاه وطنه وشعبه وقد تابعنا أحاديثه وخطاباته فوجدناها ملتزمة بخط القيادة النائبة الحقة فى عصر الغيبة الكبرى غير أن هذه العلاقة ستحتاج لفترة اختبار لمعرفة مدى قدرتها على بلورة مواقف مشتركة فى ظل ظروف معقدة بالنسبة للمرجعية الشيعية ذاتها والوضع الجديد فى العراق والمنافسة مع المرجعية الاخرى فى قم الإيرانية نقطة الضعف الخامسة هى علاقات المجلس بايران والتى أقامها خلال سنى تواجد قيادته وكوادره هناك من المؤكد أن واحدة من نتائج الحرب الأمريكية على العراق هى التأثيرات والضغوط التى سيخلقها الوضع العراقى الجديد على نظام الجمهورية الإسلامية فى إيران اضافة إلى انتقال مركز الثقل إلى مناطق الشيعة فى العراق والخليج سيجعل الحالة الشيعية الجديدة عاملا جيوبولتيكيا حاسما ليس فى تقرير مستقبل العراق بل المنطقة ولهذا السبب فإن الأنظار ستتركز منذ الآن على طبيعة العلاقة بين الحركات الشيعية العراقية وخاصة المجلس وإيران وقدرة النفوذ الإيرانى للتسلل إلى السياسة العراقية الجديدة لقد اظهرت كافة التيارات الشيعية العراقية وعلى رأسها المجلس خلال المرحلة الماضية رؤية وطنية عراقية على رغم الضغوط التى تعرضوا لها فى المنفى الايرانى وكان أحد الأسباب وراء ذلك هو اكتشافهم المبكر هو أن المشروع الخمينى لم يكن يخفى ابدا التوجهات الفارسية للدولة الإيرانية ومصالحها القومية لقد اختبر قادة التنظيمات الشيعية العراقية ومنتسبيها خلال تعاملهم مع النظام الإيرانى ان وراء أيديولوجية الجمهورية الإسلامية ومبدأ ولاية الفقيه كان يقبع دائما اسلام ايرانى ذو نظرة وطنية حتى انه تمادى احيانا فى التركيز على الخصوصية والمصالح الوطنية مما سيثير حذر الحركات الشيعية العراقية فى سلوكياتها وممارساتها بعد عودتها خشية وتحسبا من اتهامها بالتبعية أن التركيز على حركات الإسلام السياسى الشيعية لا ينبغى ان يطمس باى حال حقيقية جوهرية وأساسية وهى أن أغلبية شيعة العراق لا تنتمى إلى هذه التيارات وانها شأنها شأن أى طائفة دينية تتمسك بولائها الوطنى وهويتها الثقافية فى آن واحد كما تتوزع انتمائها السياسية على تيارات أساسية بين قومية عربية ويسارية ولبرالية لذلك فإن الصور التى بثتها الفضائيات التلفزيونية او نشرتها الصحف والمجلات عن مواكب العزاء فى الاضرحة الشيعية والطقوس المصاحبة لها والتى عادوا لممارستها بعد انهيار النظام قد تعطى فكرة عن قدرة حركات الإسلام الشيعى على التعبئة إلا انها بالتأكيد لا تعطى الصورة الواضحة والحقيقية عن شيعة العراق بمختلف الطيف العشائرى والسياسى والاجتماعى الذى يمثلوه وبالتأكيد ليس عن الطموحات والأهداف السياسية التى يرمون تحقيقها إن من سيحسم مستقبل شيعة العراق ودورهم هم الأكثرية منهم وخاصة نخبتها من الطبقى الوسطى المتنورة التى ستكسر أطواق الصمت والتحفظ والحذر التى ضربت حولها ومن المؤكد ان صوتها سيكون عاملا مؤثرا بل مرجحا لتحقيق إجماع بين الجماعات الدينية والقبلية حول أهداف وتطلعات الشيعة التى تتمحور حول تحقيق العدالة السياسية من خلال منح الأغلبية الشيعية فرصة ممارسة دورها السياسى نسبة لتعدادها السكانى فى عراق موحد يحفظ للجماعات الدينية والمذهبية والقومية دورها وحقوقها دون تمييز فى التحليل النهائى فإن التغيير الناتج عن سقوط نظام صدام لابد وان يوفر فرصا جديدة وكبيرة لشيعة العراق لترسيخ موقعهم السياسى والاقتصادى والاجتماعى على خارطة العراق بعد تهميش طال عقود طويلة ولعل أهم فرصة اصبحت فى يد الشيعة اليوم هى انه أصبح بإمكانهم لأول مرة فى تاريخ الدولة العراقية الحديثة أن يمارسوا دورهم كاغلبية عددية وسياسية بامكانها أن تقوم بدور فعلى فى الحكم والسلطة كاكثرية وليس مجرد مجموعة سكانية مهمشة ومهيمنا عليها من الأقلية لكن الوضع الجديد يخلق ايضا تحديات أمام الشيعة سيبرهن الزمن وأداؤهم السياسى اذا ما كانوا قادرين على تجاوزها هناك عدة مستويات من التحديات منها ما يتعلق بالفكر السياسى الشيعى الذى سيحتاج الآن إلى أن يدخل مناطق أخرى من التجريب خارج الإطار المذهبى الذى قصر نفسه على قوانينه الداخلية لحد الآن وان يكشف مجاهل أغلقت أمامه بسبب طبيعة التحدى الذى سيواجه فى اطار بلد تعددى والحاجة إلى المواءمة بين فكر تقليدى وبين قوانين العصر وضرورات التحديث. امام الإسلاميين والحركات الشيعية السياسية فى العراق تحد آخر يتعلق بالأفكار المتعلقة بطبيعة الدولة والبرامج التى سيطرحونها وهل سيبدءون من حيث انتهت اليه تجارب المشروع السياسى الإسلامى وخاصة فى إيران ام انهم سيصرون على خوض تجربتهم الذاتية دون اى اعتبار إلى حقيقة أن مشروع الدولة الإسلامية استنفذ امكانياته وفرصه ولم يعد هناك مجال آخر للتجريب وحتى لو ابتعد المشروع السياسى الشيعى عن هدف إقامة دولة إسلامية تحت هيمنة رجال الدين فإن خصوصية التعددية الدينية والمذهبية والاثنية والسياسية فى العراق ستفرض تحديا آخر بشأن محاولات أسلمة المجتمع دون ادراك بأن هذه الخصوصية تجعل من الحاجة إلى التميز بين كون الدين والسياسة حقلين مختلفين هى أكثر إلحاحا فى عراق المستقبل ذى الحاجة إلى التعددية والعدالة والانفتاح والقبول بالآخر ويبرز البعد والتأثير الإيرانى كتحد جيبولتيكى خطير بسبب الانعكاسات المتوقعة له على المنطقة اضافة إلى البعد الأمنى فى فترة الاحتلال الأمريكى الحالية مما يتطلب أكبر حرص ودقة فى التعامل معه خلال العقود الماضية مثل هذا البعد تحديا دائما بسبب الروابط المذهبية التى تجمع بين شيعتى البلدين فى الوقت الذى يبعد بينهما الانتماء القومى الفارسى والعربى والالتزامات الوطنية على المستوى المذهبى فإن من المتوقع استمرار العلاقات الجيدة بين شيعة البلدين وربما تعزيزها بسبب إعادة احياء دور الحوزة العلمية فى النجف لكن على المستوى السياسى سيبرز عاملان مهمان هما أولا حاجة شيعة العراق للموازنة الدقيقة بين تلك العلاقة وبين رؤيتهم المستقبلية للعلاقة مع المحيط العربى سواء داخل العراق أو فى الإقليم المجاور وثانيا الدور الذى تتطلع إيران لكى تلعبه داخل العراق والضغوط التى ستمارسها لأسبابها الخاصة ملامح هذا التحدى ستبرز فى وجود الحزب الإيرانى غير المرئى وكيفية تعامل الشيعة معه وعلى الرغم من أن الهم الرئيسى لشيعة العراق سيبقى تعزيز قوتهم السياسية الداخلية لكى تتماثل مع قوتهم العددية إلا أن هويتهم العربية ستضع على كاهلهم مهمة ترسيخ هذه الهوية التى ستبقى تتأرجح بين انتمائهم القومى والمذهبى من جهة وتدعيم روابطهم بالشيعة العرب فى البلدان المجاورة من جهة ثانية ويشكل هذا تحديا جوهريا نظرا للثقل الذى سيمثله شيعة العراق الجدد فى المنطقة وبسبب حالة التهميش التى تعانى منها الطوائف الشيعية فى معظم هذه البلدان مما سيخلق حالة من اليقظة الشيعية فى منطقة ملتهبة تعانى أساسا من اشكاليات فى الهوية وحساسيات دينية وطائفية وأوضاع سياسية هشة لهذا التحدى جانب آخر يتعلق بقدرة الأنظمة العربية وخاصة فى البلدان المجاورة وهى غالبيتها سنية على قبول سيطرة شيعية على مقدرات العراق وكيفية تعاملها مع هذا التغيير النوعى فى المعادلة التى كانت سائدة حتى قبل سقوط نظام صدام من الناحية النظرية إن نظاما تقوده قيادة شيعية معتدلة أو علمانية سيكون أكثر قبولا من الأنظمة العربية لأنه سوف لن ينزع للمغامرة وسيكون مثبتا للاستقرار فى المنطقة لكن تبقى الخشية من أن نظاما كهذا يأتى عبر صناديق الاقتراع سيكون مثالا مقلقا للقوة التى تمثلها العملية الديمقراطية المعدية بطبيعتها التحدى الأكبر أمام شيعة العراق سيكون بروزهم كفاعل موحد وتأكيد ذاتهم كقوة سياسية وعددية تجمع تياراتهم الدينية المختلفة وأحزابهم السياسية وعلمانييهم وجموعهم المستقلة فى موقف موحد يأخذ تبايناتهم بنظر الاعتبار لكنه يوحدهم أمام مهمة بروزهم كقوة سياسية تمثل الأغلبية وتأخذ نصيبها العادل من الحكم والثروة فى العراق الجديد تجربة المنفى والاحتكاك وخاصة فى الدول الغربية اثبتت قدرة الإسلاميين والعلمانيين الشيعة على الحوار والانسجام والتوصل إلى مساحات اتفاق مشتركة ومن المحتمل ان تنتقل هذا التجربة إلى الداخل من خلال التربية والثقافة الجديدة فى هذا الاطار ستبرز الحاجة لكى يكون مبدأ المواطنة هو الحل الأمثل ليس للاشكالية الشيعية الداخلية بل لحل مجمل معضلة الحكم فى العراق الجديد وبقائه موحدا وبهدف قيامه كدولة قومية حديثة هناك بالتأكيد مؤشرات على تزايد قوة الشيعة وتناميها ولكن لا يوجد هناك سواء فى الأدبيات الشيعية أو فى مواقف قياداتهم أو فى المشاعر الشعبية من الدلائل التى قد تشير لأية نزعة انفصالية أو إقامة دولة خاصة بهم كما لا تبرر ذلك اية مبررات اقتصادية أو جغرافية أو ثقافية بل على العكس من ذلك هناك ما يشير إلى وجود نزعة قوية لديهم بأنهم هم العراق من المؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد تناميا فى التعبير عن الهوية الشيعية بعيدا عن الاستحياء السابق الذى كان يربط ذلك بمخاوف الاتهام بالطائفية لأن ذلك سيكون الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المطالبة بالدور السياسى المساوى للأغلبية العددية التى يتمتعون بها غير أن ذلك لن يكون على حساب الهوية الوطنية يثبت تاريخ الدولة العراقية الحديثة أن الشيعة خسروا كل معاركهم السابقة فى تأكيد قوتهم كأغلبية وأحقيتهم بدور سياسى مكافئ لذلك وسيثبت المستقبل ما اذا كانوا أصبحوا الآن أقرب لتحقيق ذلك أم أن التاريخ سيعيد نفسه للأسباب ذاتها التى حرمتهم منها فى بداية القرن الماضى أو لأسباب أخرى المراجع: ـ شيعة العراق:
اسحق نقاش ـ شيعة العراق بين الطائفية والشبهات:
حامد البياتى ـ الفقيه والدولة الفكر السياسى الشيعى:
فؤاد ابراهيم ـ تطور الفكر السياسى الشيعى من الشورى إلى ولاية الفقيه:
أحمد الكاتب ـ دور الشيعة فى تطور العراق السياسى الحديث:
عبد الله النفيسى ـ الفكر الإسلامى المعاصر فى إيران جدليات التقليد والتجديد:
محمد رضا وصفى ـ مشكلة الحكم فى العراق:
عبد الكريم الازرى ـ نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة:
برهان غليون ـ الشيعة والدولة القومية فى العراق:
حسن العلوى ـ العراق فى العقد المقبل:
هل سيقوى على البقاء حتى عام 2002:
جراهام فولر ـ المرجعية الدينية والتحولات المعاصرة:
محمد باقر الحكيم مجلة المنهاج 20 شتاء 2000 ـ الانبعاث الشيعى فى العالم قراءة فى كتاب جيوبولتيك التشيع مجلة المنهاج 25 ربيع 2002 ـ الصراع على مستقبل العراق، رضوان السيد الحياة 9 مايو 2003
19-06-2013 04:54PM ET

Setback for Al-Maliki

Iraqi Prime Minister Nuri Al-Maliki’s failure to form key local governments has dimmed his hopes for a third term in office, writes Salah Nasarwi
Iraq’s Prime Minister Nuri Al-Maliki has suffered an embarrassing setback in his efforts to regain control of local governments in Baghdad and key Shia-populated provinces, an outcome that could cost the embattled leader his post in next year’s general elections.
Al-Maliki, whose State of the Law List was a key contender in the capital and the Shia-dominated southern provinces in the 20 April polls, failed to win the majority needed to enable him to form most local provincial governments.
The List won 97 of 378 seats on the governorate councils, but this was a sharp drop from the previous combined total of 126.
According to Iraq’s post-Saddam Hussein constitution, provincial elections are held every four years. Iraq’s three autonomous Kurdish provinces will have their own elections in September, while no balloting is planned in the disputed and ethnically-mixed province of Kirkuk.
Voting was suspended in the two Sunni-dominated provinces of Anbar and Nineveh in north and west Iraq for security reasons. Since late December, Sunnis have been waging anti-government demonstrations to protest against their perceived persecution. Their elections will be held on Thursday.
Al-Maliki’s two major Shia rivals succeeded this week in forming local coalition governments in Baghdad and several other southern provinces after reaching agreements with Sunni lists and blocs representing secular and minority groups.
The Islamic Supreme Council of Iraq (ISCI), led by Ammar Al-Hakim, and the Sadrist Trend of Muqtada Al-Sadr, Al-Maliki’s two main Shia contenders, snatched 124 seats on the local government councils.
The rest of the seats went to various smaller blocs representing civil forces, the country’s religious minorities and independent candidates.
Iraq’s provincial councils are responsible for nominating the chairpersons of the assemblies and governors who lead the local administrations. They also run local municipality services such as water, electricity, health and housing. Control of senior provincial posts provides space for maneuvering to achieve national-level political objectives.
The anti-Al-Maliki coalitions are significant and are expected to set the political landscape of the violence-torn and sectarian-divided country for the next several months up to the 2014 general elections.
Most importantly, they will give leverage to contenders in next year’s national polls, which many Iraqis hope will bring about a more stable, coherent and efficient government that will be able to end the country’s chronic ethno-sectarian conflict.
The provincial elections were widely seen as a measure of the popularity of Al-Maliki, who has been facing growing opposition from Sunni Arabs and Kurds as well as many Shias. The polls were also seen as crucial for limiting the violence that has gripped Iraq since the last US troops withdrew in December 2011.
Al-Maliki led an aggressive campaign to enlist public support for a ticket that was led by his own Daawa Party and included few other Shia groups allied to him. In defiant statements during the election campaign, he urged his supporters to come out en masse to support his efforts to rescue Iraq from what he described as an “intensive care” situation.
Since the release of the election results on 4 May, Al-Maliki has also tried to cajole smaller lists to join his bloc in coalition governments in several provinces, sometimes by offering bribes and promises of top posts in the central government after next year’s elections.
On Monday, he travelled to his home town of Karbala where his List faced difficulties to set up such a coalition. He was reportedly making a last ditch effort there to build a coalition with smaller blocs to set up the provincial government.
Analysts have suggested that behind Al-Maliki’s hectic efforts to win local elections and form provincial governments lie his ambitions to secure a third term in office despite strong opposition from the country’s Kurds, Sunnis and even some Shias who perceive him as authoritarian and an affront to Iraq’s stability and nation-building efforts.
During the election campaign, Al-Maliki suggested that Iraqis should go for early parliamentary elections, a move interpreted as an attempt to utilise the local elections to build the support that would help him later to secure a third term in office.
He also promised to move towards a majority government dominated by Shias, which would expand his hold on power and jeopardise Iraq’s fledgling political process by further alienating his Sunni and Kurdish rivals and raising sectarian tensions in the country.
Because he wields enormous powers, oversees many state organisations involved in local governance, and controls the state-owned media, the army and the security forces, Al-Maliki would have most certainly benefited from loyal local governments to muster the public support needed to secure the job again.
It was anticipated that Al-Maliki would try to establish coalitions with other Shia blocs in all the provinces, but his endeavours stalled after he insisted that his List be given key posts, such as those of governors.
But with his failure to win the political majority that would have enabled his State of the Law List to form local governments, the question remains whether Al-Maliki will now back away from his plans for an early general election that would bolster his grip on the country.
The next polls are scheduled for summer or autumn next year.
Meanwhile, Al-Maliki is expected to face stronger opposition from rivals that now control most of the provincial governments and will be able to influence local politics and resources that were manipulated by Al-Maliki and his Daawa Party over the last four years.
The ISCI reaped a relatively good return in most provincial councils in the Shia provinces, coming second after Al-Maliki with 78 seats. The Sadrist Movement came third with 46 seats. The elections also resulted in a new rise of secular and liberal forces, which won a number of seats in most of the southern provinces.
Significantly, the ISCI and the Sadrists have made the situation worse for Al-Maliki by allying themselves with the main Sunni list in Baghdad to form its new provincial government.
Al-Maliki’s failure to form most of the new local governments is a sign of rising dissatisfaction with his authoritarianism. One of the main accusations against Al-Maliki has been that he restricted the work of local councils, which in theory were set up to ensure decentralised governance and democratic succession.
Indeed, some newly elected councillors have vowed to bring outgoing governors and councillors, mostly Al-Maliki’s cronies, to account for their alleged negligence, mismanagement and corruption.
Baghdad’s new Chief Councillor Riad Al-Adhad told local media outlets that the council’s first priority would be to probe allegations of massive corruption by the previous Daawa Party-led administration.
All this indicates that the bruising setbacks for Al-Maliki, who has fallen foul of his own autocratic rule, had meant his losing a great deal of influence in Iraqi politics. It now remains to be seen how much of a fundamental shift this will make in Iraq’s political map.
Much will depend on the strategies chosen by the ISCI and the Sadrists to work together with Sunni Arabs and Kurdish partners away from the ethno-sectarian politics adopted by Al-Maliki and largely blamed for Iraq’s lingering conflict.
Iraq has been gridlocked by crisis since the US withdrawal in December 2011, and this has paralysed Al-Maliki’s government and is increasingly pushing the ethnically and sectarian divided country to the brink of chaos.
The new pragmatic alliance which both the ISCI and the Sadrists forged to form Baghdad’s provincial government could herald a change of course in the substance of Iraq’s politics and away from the sectarianism that has paralysed the country for so long.
صفوة القول (16) 
 مختارات من اراء وقضايا                 
                   

ستقبل الشيعة فى عراق ما بعد صدام

المصدر: السياسة الدولية-اكتوبر 2003


سلط انهيار نظام الرئيس العراقى السابق صدام حسين الأضواء من جديد على المسلمين الشيعة وعلى الدور السياسى الذى يمكن أن يلعبوه ليس فى تحديد معالم عراق المستقبل وهويته بل وفى رسم مستقبل منطقة الشرق الاوسط برمتها نظرا للإمدادات المذهبية الشيعية فى المنطقة وازدياد دورهم منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 من جهة والتفاعلات الجيوبولتيكية التى من المتوقع أن يطلقها التغير فى العراق من جهة ثانية هذا محاولة لاستقراء الوضع الشيعى فى عراق ما بعد صدام لكن اولا من هم الشيعة؟ الشيعة طائفة من المسلمين والتشيع مذهب يقوم أساسا على أن الولاية أى امامة على بن ابى طالب وأولاده من بعده وخلافتهم للنبى محمد فى أمور المسلمين الدينية والحياتية هى أحد أعمدة الدين مثلها مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج ويذهب البعض من الشيعة إلى أن الولاية أفضل هذه الأعمدة لأنها (أى الولاية) مفتاحهن والأولى هو الدليل عليهن وشأنهم شأن باقى المذاهب الإسلامية لجأ الشيعة إلى الأدلة النقلية والعقلية فى محاولة لاثبات دعواهم والتى ارتكزت إلى القرآن والسنة النبوية التى وردت فى كتبهم وتراث آل البيت اضافة إلى أدلة العقل والإجماع وكان المخزون الثرى للفقه الشيعى الذى ظل منافحا عن نهج الولاية عبر العصور قد طور فكرا سياسيا تراكميا تناول مفاهيم الدولة والحكومة والقيادة السياسية وفقا للاطار الإسلامى الذى يرمى إلى إقامة الأمة غير المرتكزة على الوحدات الجغرافية أو التاريخية أو اللغوية أو المصالح الاقتصادية بوصفها مكونات الدولة القومية والمبررات الكبرى للدولة الحديثة يرتبط التشيع بمفهوم الغيبة وهو مفهوم جوهرى فى العقيدة الشيعية قائم على اعتقاد القطاع الأوسع من الشيعة وهم الأمامية الاثنى عشرية بغيبة الإمام محمد (المهدى) بن الحسن العسكرى (260 هجرية) فى ظروف غامضة مما أدى إلى انقطاع مادى لسلسلة القيادة الدينية والسياسية للطائفة نتجت عنه اشكالية أساسية تتمثل فى بقاء الشيعة دون إمام معين من قبل الله فى تسلسل وراثى ومعصوم طالما كانوا يرفضون مبدأ التعيين والشورى ولأن الغيبة تتناقض مع فلسفة الامامة التى تقول بأن الأرض لا يجوز أن تخلو من امام فقد استنبط متكلمو الشيعة وفقاؤهم عبر العصور نظرية الانتظار أى انتظار عودة وظهور الامام المهدى وهى النظرية التى شكلت لاحقا جوهر الفكر السياسى الشيعى وخاصة فيما يتعلق بحل اشكالية التشريع والقيادة فى عصر الغيبة والتى انطلقت من نظرية النيابة عن الامام الغائب ثم تلاها مفهوم المرجعية ثم توج كل ذلك بنظرية ولاية الفقيه التى وجدت تطبيقها العصرى على يد الامام الخمينى فى إيران عموما فإن التشيع فى تكوينه التاريخى ظل ظاهرة احتجاجية على الدولة البشرية كما بقى مقصده النهائى تأسيس الدولة الدينية الإلهية على الأرض لكن الفكر الشيعى المرتكز على نظريات الامامة والغيبة والانتظار والولاية بقى خليطا من المقاصد التى تبرر وجود واستمرار التشيع من جهة ونفورا من الواقع ومن السلطة من جهة ثانية انعكست دائما على الفقه السياسى الشيعى الذى وصل به إلى حد مقاطعة ورفض مجرد التفكير فى السلطة حتى فى اطارها النظرى والتجريدى وتاليا الاعتصام بالتقية كأحد افرازات وردود الفعل الشيعية لكن وبالرغم من الوعى الانتظارى الذى غلف هذه النظريات إلا أن مجمل الفكر السياسى الشيعى ظل مستندا إلى قواعد اجتهادية عقلية منحته حيوية ومرونة فائقة تبرز أهم تجلياتها اليوم فى تيارات داعية إلى مواكبة الجديد الفكرى على القديم التقليدى النقلى وفى ما يخص موضوعنا تنوع الخطاب الشيعى بل والممارسة أيضا حسب المعطيات الوطنية والموروث التاريخى لكل بلد أو حضارة الوضع الجيبوليتيكى: فى الوقت الذى تسيطر فيه أغلبية شيعية مطلقة على إيران التى يبلغ عدد نفوسها أكثر من 70 مليون نسمة ليست هناك ارقام نهائية حول عدد الشيعة فى العالم بسبب الغياب المتعمد للاحصائيات الدقيقة إلا أن معظم التقديرات تشير إلى وجود حوالى 140 مليون شيعى منهم حوالى 30 مليون فى العالم العربى موزعون على تجمعات رئيسية فى العراق ولبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ومتنوعون مذهبيا بين أغلبية امامية واقلية زيدية واسماعيلية ومنهم من يضع العلويين والدروز ايضا بين الشيعة كما انهم منقسمون سياسيا كما حركة أمل وحزب الله فى لبنان والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والدعوة ومنظمة، العمل الإسلامى فى العراق اضافة إلى حقيقة انخراط الشيعة فى التيارات السياسية العامة غير الدينية وهو البعد الغائب غالبا عن الجدال فى الموضوع الشيعى ويمثل الانبعاث الشيعى فى المنطقة منذ الثورة الايرانية عام ـ 1979عاملا جيوبولتيكيا مؤثرا من المؤكد انه سيزداد أهمية بعد التغيير الاخير فى العراق فقد عانت الطوائف الشيعية فى معظم دول المنطقة من التمييز والتهميش السياسى والاجتماعى بل واحيانا من الاضطهاد بسبب وجودها وسط بحر من السنة الذين يقر البعض بهم على مضض كطائفة إسلامية بينما يكفرهم البعض الآخر إما بسبب شدة التيار السلفى أو بسبب تلك الآثار الطائفية التى خلفتها الدولة العثمانية وصراعها الجيوسياسى مع منافستها التاريخية إيران وقد جاءت الثورة الإيرانية لكى تضع الشيعة مجددا تحت الضوء ليس لأنها وضعت علماء الدين الشيعة فى سدة الحكم فى بلد أغلبيته العظمى شيعية، بل بسبب المخاوف التى فجرتها إقليميا ودوليا الحركة الثورية التى اطلقتها فى العالم الإسلامى وعوامل القوة الناشئة عنها فى منطقة شديدة الحساسية للتيارات الثورية وفى وقت تعمقت فيه الهوة بين الحكام والمحكومين وتنامت فيه دعوات الإصلاح والتطوير فى البلدان الإسلامية والأكيد أن الثورة الإسلامية فى إيران وبعض افرازاتها كزيادة المد الإسلامى فى المنطقة والحرب العراقية الإيرانية وانبثاق المقاومة الشيعية ضد إسرائيل فى جنوب لبنان وتنامى الصوت الشيعى فى منطقة الخليج وضعت الشيعة فى المنطقة أمام تحديات كبيرة إلا أن نتيجتها الأهم هى انها نجحت ليس فقط فى نقلهم إلى أوضاع جديدة أفضل أصبح فيها تهميشهم عبئا على الوسط العام الذى يعيشون فى كنفه بل جعلتهم رقما سياسيا مهما فى المعادلة الإقليمية وربما الدولية وبالنسبة لشيعة العراق فقد ظلوا مهمشين سياسيا منذ سقوط الدولة العثمانية وخلال كل الادارات المتعاقبة حتى وصلت قمة التهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى تحت سلطة نظام صدام حسين على الرغم من وقوفهم ضد إيران فى الحرب التى شنها صدام تعبيرا عن مشاعرهم الوطنية والقومية العربية وعلى حساب صلاتهم المذهبية مع إيران هذا التهميش أصبح يشار اليه من قبل الشيعة العراقيين بمشكلة الطائفية والتمييز الطائفى التى تتربع الآن مسألة معالجتها على رأس الأجندة الشيعية بعد سقوط نظام صدام والواقع أن الدولة العراقية عانت منذ تأسيسها عام 1921 من علة أساسية كانت ولا تزال السبب الرئيسى فى ما واجهته من متاعب وما حل بها من رزايا ونكبات وهذه العلة تكمن فى تسلط أقلية صغيرة من الشعب العراقى على زمام الحكم واستئثارها به وانفرادها بممارسة سلطاته وحرمان بقية الفئات ولا سيما الأكثرية الشيعية العربية والأقلية الكردية وفى تفسير ذى صلة بالموقف الشيعى من عملية التغيير التى تجرى الآن فى ظل الاحتلال الأمريكى يعزو الشيعة ذلك التمييز الطائفى إلى قيام البريطانيين بعد احتلالهم للعراق عام 1917 ولأسباب تتعلق بقيام الشيعة بمقاومة الاحتلال البريطانى وتفجيرهم الثورات بوجهه بمنح الحكم للأقلية العربية السنية التى تفتقر إلى دعم الأكثرية الشيعية العربية والأقليات الأخرى مثل الكرد والتركمان وتمثلت هذه السياسة البريطانية منذ البداية باقصاء الشيعة عن المناصب المهمة فى الدولة مثلما تميزت بانحياز الموظفين البريطانيين وتعصبهم ضد الشيعة فقد كتبت المس جيرترود بيل سكرتيرة المندوب السامى وصانعة العراق الحديث ردا على الاحتجاجات الشيعية ضد عدم تمثيلهم بشكل مناسب فى مجلس الدولة بقولها فى مذكرة شهيرة بعثت بها إلى مقرها فى لندن أما أنا شخصيا فابتهج وافرح أن أرى هؤلاء الشيعة الأغراب يقعون فى مأزق حرج فانهم من أصعب الناس مراسا وعنادا فى البلاد لقد أدت هذه السياسة التى اتبعها المندوب السامى البريطانى بيرسى كوكس فى إقصاء الشيعة إلى موقف متعال من السنة ضد الشيعة وموقف عدائى شيعى من السنة وهو الأمر الذى أدى إلى تصاعد مشاعر الضغينة والاحساس بالظلم ففى أول حكومة شكلت بعد الاحتلال كان نصيب الشيعة مقعدا وزاريا واحدا أعطى لشخصية ثانوية بينما حاز السنة على أغلب المناصب العليا ومنها مناصب المحافظين فى المدن الشيعية وهو وحده كاف لادراك الشعور بالحيف الذى شعر به شيعة العراق على الرغم من تصدرهم للنضال ضد الاحتلال ولو إن الشيعة أعطوا قسطا وافرا من المشاركة فى حكومة فيصل الأول الذى نصبه البريطانيون ملكا على العراق عام 1921 لكان فى الامكان تجنب الكثير من الاختبارات المرة وكثير من الاضطرابات الدامية ومع ذلك يجدر التوقف عند حقيقية مهمة فى هذا المجال وهو ان المشكلة الطائفية فى العراق ليست مشكلة بين الشيعة والسنة بل هى مشكلة على صعيد نظام الحكم نشأت من تضافر مجموعتين من التحولات تتعلق الاولى بالدولة والثانية بالمجتمع فى علاقته بالدولة حيث المقصود من التحولات المتعلقة بالدولة بنية السلطة وآليات عملها وكل ما يتعلق بالبنيان السياسى من تأسيس الشرعية والسيادة وتداول السلطة وتحقيق القيادة الاجتماعية وهى بمجملها تمثل اغتراب الدولة العراقية الحديثة عن مجتمعها او غربتها وما يرتبط بها من تكلس وعلاقة عنف وقوة بين الطرفين وهو الأمر الذى يجعل من الطائفية مرافقة للدولة التسلطية أكثر تجليات التمييز الطائفى ضد الشيعة فى العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة تكمن فى قانون الجنسية العراقية وتعديلاته بسبب الشروط التى وضعها لاكتساب الجنسية والتى حرمت مئات الآلاف من العوائل الشيعية منها بحجة تبعيتهم الإيرانية وقصرتها على التبعية العثمانية اضافة إلى ذلك فإن أبرز مظاهر التمييز الطائفى ضد الشيعة تمثلت بهيمنة السنة على الدولة وحرمانهم من المناصب الرئيسية مثل منصب رئيس الدولة ومن المراكز الأساسية فى الدولة والمناصب القيادية فى الجيش والسلك الدبلوماسى ومن بين الأدلة التى يطرحها الشيعة على التمييز ضدهم فى العهد الملكى والذى شيد أساس الطائفية السياسية فى المراحل اللاحقة هو نسبة التمثيل الشيعى فى المجالس النيابية بين عامى 1921 و 1958 شكلت 30 40 % فقط من مجموع عدد أعضائها ولعل أهم مظاهر التمييز الأخرى هى التضييق على قياداتهم الروحية وعدم السماح للشيعة بممارسة شعائرهم الدينية واحيانا حتى بتداول كتبهم الدينية الخاصة وهى الممارسات التى ادت بالتالى إلى تعطيل عمل الحوزة العلمية فى النجف والتى تعتبر مصدر القرار الروحى والشرعى وايضا السياسى لدى الشيعة المتدينين أدى شعور الشيعة بالاضطهاد والتمييز إلى بروز حركات الاحتجاج الشيعى المرتبطة بالحوزة العلمية فى النجف ورجال الدين فى المدن الشيعية الاخرى ككربلاء والكاظمية والتى تطورت لاحقا إلى حركة الإسلام السياسى الشيعى والتى تجاوزت فيما بعد كونها حركة احتجاج ضد الاستلاب الطائفى إلى بلورة مشروع إسلامى متكامل يطرح نفسه بديلا للمشاريع العلمانية باتجاهاتها القومية والشيوعية واللبرالية وتشير المصادر المتوفرة إلى جهود المجتهد النجفى البارز السيد محمد باقر الصدر فى استنفار الحوزة العلمية وتوفير مواردها الهائلة لدعم أول حركة سياسية شيعية برزت فى العراق وضعت استراتيجيتها وتكتيكاتها على أساس تحقيق الهدف النهائى، وهى تسلم السلطة واقامة حكم اسلامى وعلى الرغم من أن بعض المصادر تؤشر إلى أن ظهور حزب الدعوة الإسلامية فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى جاء ردا حوزويا على المخاوف من ازدياد المد الشيوعى واليسارى فى العراق اثر الانقلاب العسكرى الذى قاده عبد الكريم قاسم عام 1958 ولمواجهته إلا أن الحزب وبفضل الأفكار التى صاغها الصدر تبوأ مركزا متقدما فى العمل السياسى والتنظيمى الشيعى قبل أن يصاب بنكسات جدية بسبب حملات القمع والتصفية الجسدية التى طالته من السلطة والتى شملت الصدر نفسه (اغتيل او اعدم عام 1980) إضافة إلى الاختبار الوطنى والقومى الصعب الذى كان على حزب شيعى عراقى ان يمر به امام الانتصار الكاسح للثورة الإسلامية فى ايران والتى هى مشروع إيرانى مهما كانت طبيعته الشيعية وفى الوقت الذى ادت حملات التصفية الدموية إلى اجتثاث معظم قواعد الحزب وهروب القواعد الأخرى وقياداته إلى الخارج، فإن التحدى الذى مثلته الثورة الإيرانية وضع الحزب فى ارتباك وتشوش وأحيانا فى خصومة ونزاع مع منطلقات الثورة الإيرانية وغاياتها التى ما كان بامكان حركة عراقية أن تنوء بها حتى لو تجانست معها فى خلفية مذهبية واحدة ولعل النتيجة الطبيعة للاختبارات العسيرة التى مر بها الحزب وظروف التكيف مع أوضاع المنفى الإيرانى الذى وجد نفسه فيه هو سلسلة الانشقاقات التى حدثت فيه خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات والتى يعود بعضها إلى الخلافات حول مفاهيم ولاية الفقيه والشورى والدولة الإسلامية وأيضا حول حدود العلاقات مع إيران الخمينية وأيضا حول هوية وأهداف الحزب كحركة عراقية والتى أدت إلى شرذمة الحزب وضعف فاعليته ولم تسلم منظمة العمل الإسلامى التى اعتبرت ثانى اهم تنظيم سياسى شيعى يبرز فى تلك المرحلة من مصير مماثل بسبب السجلات الداخلية والتى تمحورت ايضا حول اطروحات الولاية والشورى والقيادة والمرجعية وهى سجلات فقهية كشفت مثلما هو الأمر مع حزب الدعوة عن نخبوية الحركة وضيق افقها وانعدام وجود برنامج سياسى واضح يمكن أن تقدمه أمام اختبار شعبى حقيقى وفى واقع الحال فإن استمرار بقاء المنظمة على الرغم من الانشقاقات العديدة فيها جاء استجابة لدوافع المنافسة التاريخية بين حوزتى النجف التى مثلها حزب الدعوة و حوزة كربلاء التى مثلتها المنظمة وهى منافسة تشير إلى التنوع ولربما إلى الانقسام الذى يسم الحالة الشيعية العراقية فى الاطار المرجعى الدينى أكثر مما يشير إلى الخلافات الفكرية حول المفاهيم الفقهية للخطاب الإسلامى الذى تتبناه الحركتان وشهد عام 1980 ولادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق على يد السيد محمد باقر الحكيم بعد وقت قصير من فراره إلى ايران وتضافرت عوامل عديدة منها الدعم الإيرانى الكبير والتفاف باقى التنظيمات والشخصيات الشيعية العراقية حول الحكيم اضافة إلى ظروف الحرب العراقية الإيرانية لكى تمنح المجلس الفرصة لكى يتبوأ قيادة حركات الشيعة المعارضة لنظام صدام والتى تدعمت لاحقا عبر الدعم السياسى والمادى الذى حصل عليه المجلس من بعض الدول العربية وخاصة بعد حرب الخليج الاولى حيث فتحت الأبواب أمام الحكيم فى كل من سوريا والمملكة العربية السعودية والكويت وقد سمح هذا الدعم والعلاقات التى نسجها المجلس وزعيمه الحكيم مع باقى أطراف المعارضة العراقية لنظام صدام ان يتصدر التمثيل الشيعى فى العمل الذى سبق الحرب الأمريكية على العراق من خلال سلسلة من الاتصالات والاجتماعات التنسيقية مع الطرف الأمريكى والتى كشفت النقاب لاحقا الكثير عن أجندة عمل المجلس وأهدافه ومناهج عمله وتكتيكاته السياسية فى ضوء المبادئ العامة التى يتبناها وإضافة إلى هذه التنظيمات فقد ظهرت خارج العراق مجموعات إسلامية شيعية أصغر مثل حركة المجاهدين العراقيين وجمعية العلماء المجاهدين وحركة جند الإمام والحركة الإسلامية فى العراق لقد اظهرت الفترة التى سبقت الحرب والاستعداد لها اختلافات بين المجموعات الشيعية بعضها جذرى بشأن الموقف من الحرب ذاتها ففى الوقت الذى انخرط فيه المجلس وبعض الشخصيات الشيعية الدينية الفاعلة بنشاط فى دعم فكرة الحرب والتنسيق مع الطرف الأمريكى امتنعت او ادانت اطراف اخرى مثل هذا التعاون بينما أصدر البعض من مجتهدى الشيعة فتاوى إما بتحريم التعاون مع الأمريكان أو الحث على الامتناع عن تقديمه فى نفس الوقت فقد اختار البعض مثل آية الله محمد صادق الشيرازى المرجع الروحى لمنظمة العمل الإسلامى موقفا وسطا تفادى فيه تأييد الحرب لكنه رأى ضرورة اغتنام الفرصة لانقاذ الشعب العراقى المؤمن المظلوم من المظالم كما دعا إلى إزاحة الطغاة وبناء عراق مستقل وموحد على أسس التعددية والمشورة والعدل والحرية أتاح انهيار نظام صدام الفرصة للقادة وللتنظيمات الشيعية التى كانت فى المنفى العودة إلى العراق وكان بعضها مثل السيد عبد المجيد الخوئى نجل آية الله الخوئى الذى جرت فى عهده انتفاضة الشيعة بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 قد عاد على عجل إلى النجف مركز المرجعية الشيعية ورمز قوتها حتى قبل سقوط نظام صدام فى بغداد ما بدا صراعا واضحا للسيطرة على الشارع الشيعى الذى كان متوقعا انطلاقه بقوة حال سقوط النظام وأشر مقتل الخوئى الذى نقل سريعا مع مجموعة صغيرة من أعوانه من مقره فى لندن إلى البحرين ثم إلى النجف بواسطة القوات الأمريكية إلى حقائق جديدة فى الوضع الشيعى الذى بدا متهيئا للتعامل مع افرازات سقوط نظام صدام بشكل مغاير تماما للتصورات والحسابات التى وضعتها تنظيمات المنفى الشيعية وربما المخططون الأمريكيون فقد كشف مقتل الخوئى الذى ألقيت تبعاته على جماعة شيعية ناهضة فى الداخل وهى جماعة تدين بولائها إلى المرجع الشيعى محمد صادق الصدر الذى اتهمت أجهزة نظام صدام حسين بقتله عام 1999 واتضاح مدى قوة تيار الصدر فى معظم المدن الشيعية إضافة إلى الخلاف الذى حصل بين الخوئى وآية الله العظمى السيد على السيتانى بشأن فتوى نسبها الأول للثانى حول تأييد قوات الغزو الأمريكية إن الساحة الشيعية ومرجعياتها الفقهية وخارطتها السياسية مرت بتغيرات جذرية جعلتها مختلفة تماما عن تلك التى سادت فى الفترة التى نشطت فيها الأحزاب القديمة وسرعان ما اتضح أن هناك أربعة اتجاهات دينية / سياسية تتنازع القيادة على الشارع الشيعى فى العراق سيكشف المستقبل القريب كيف ستتفاعل مع الواقع الجديد وكيف ستستجيب لتحدياته الاتجاه الاول هو الحوزة العلمية فى النجف أى قمة مؤسسة المرجعية الشيعية والتى يأتى على رأسها الآن السيستانى ومن ثم آيات الله محمد اسحق فياض وحسين بشير الأفغانى ومحمد سعيد الحكيم وفى الوقت الذى تحوز هذه المرجعية على الاحترام والتقدير من معظم الشيعة العراقيين إلا أن شكوكا كثيرة يمكن أن تحيط بقدراتها على التعبئة السياسية لأسباب تتعلق اما بأطروحتها بشأن موضوع الولاية والدولة الإسلامية وابتعادها خلال السنوات الماضية عن أى نشاط تعبوى وتفرغها للدرس الدينى وأيضا كونها عدا الحكيم غير عراقية الاتجاه الثانى هو تيار الصدر الذى اثبت قدرة تعبوية هائلة منذ سقوط النظام تمثلت بالسيطرة على أكبر تجمع شيعى فى العراق وهو مدينة الثورة وهو حى عشوائى على حافات بغداد الشرقية يقطنه أكثر من مليونى شيعى والذى حوله النظام البائد إلى مدينة صدام ثم سماه التيار بعد السيطرة عليه مدينة الصدر اضافة إلى ذلك فإن التيار الذى يقوده مقتدى الصدر ابن المرجع القتيل اثبت قدرة تعبوية ملحوظة فى باقى المدن والاحياء الشيعية وانشأ مليشيات خاصة به ادارت الأمن بعد انهيار السلطة مما يدل على طموحات واضحة لدى هذا التيار للدخول فى منافسة شرسة مع باقى الاتجاهات للسيطرة على الشارع الشيعى فى العراق ليس لهذا التيار خبرة سياسية وتنظيمية لكنه يمتلك تراثا فقهيا وفكرا شيعيا سياسيا غنيا خلفه له الصدر اضافة إلى تخندقه الواضح وراء عصبوية عراقية عروبية يواجه بها إيران والتنظيمات الوثيقة الصلة بها والمرجعيات ذات الاصول الإيرانية وكذلك ادعاءه عن جدارة بأنه ناهض نظام صدام فى الوقت الذى صمت فيه الآخرون أو خاضوا جهادهم خارج العراق الاتجاه الثالث يتمثل فى الأحزاب والحركات المنظمة مثل الدعوة بمختلف فصائله ومنظمة العمل الإسلامى وباقى المجموعات الصغيرة وافراد عملوا فى إطار هذه الجماعات قبل ان يتركوها ويعودوا للوطن هذه الحركات مثقلة بالجراح والانشقاقات والارتباطات التى انشأتها فى بلاد المنافى وتحاول الآن أن تنقلها معها إلى واقع جديد مختلف تماما عما عرفته ونشط فيها اعضاؤها فى السبعينات والثمانينات هذه المجموعات تواجه تحديات جمة تتمثل فى كونها ستخرج من إطار السرية والعمل الدعوى فى ظل العنف والعنف المضاد وستمارس العمل السياسى العلنى بآلياته الطبيعية لأول مرة مما يحتم عليها ضرورة التكيف مع الواقع كما هو على الأرض وليس فى اطار مفاهيم شيعية عامة أو برامج وضعت لمواجهة تحديات فترة مختلفة لأول مرة سيكون أمام هذه الأحزاب فرصة لكى تثبت انها تستند إلى قواعد جماهيرية حقيقية وانها تقدم لهم حلولا لمشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليست مجرد حركات نخبوية وعظية أو احتجاجية أو تنظيمات طوباوية تهيم فى عالم رمزى وطقوسى بعيد عن الواقع الاتجاه الرابع هو الذى يمثله المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق والذى حاز على اهتمام اعلامى منذ نشأته لأسباب بعضها يعود لنفوذه الواسع وسط شيعة المنفى والذى اكتسبه من الدعم الكبير الذى قدمته إيران له وكذلك الالتفاف الكبير حول قيادة زعيمه محمد باقر الحكيم نظرا لماضيه وتاريخ عائلته وخاصة والده آية الله محسن الحكيم الذى تولى المرجعية فى النجف قبل الخوئى اضافة إلى انخراطه النشيط فى جهود المعارضة لاسقاط نظام صدام ومنها المؤتمرات الاخيرة التى رعتها الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من الاستقبال الذى حظى به الحكيم من انصاره فى بعض المدن عند عودته إلى العراق إلا انه بالتأكيد لا يقارن بعودة الخمينى التاريخية إلى طهران والتى شرعت له الطريق لاحقا لاعلان الجمهورية الإسلامية فى إيران وكان الاستقبال والقدرة المحدودة التى اظهرها نشطاء المجلس فى السيطرة على بعض المناطق دليلا على تواضع حجم الشعبية التى يتمتع بها مقارنة بالسمعة التى سبقته مما يضع الحكيم والمجلس أمام تحديات جمة لاثبات حقيقة ادعائه تمثيل الشيعة وكونه المتحدث باسمهم كما درج عليه فى مؤتمرات المعارضة السابقة. يعانى المجلس من نقاط ضعف عديدة أهمها هو ارتكازه على شخصية الحكيم وعائلته وضعف هيكليته التنظيمية مما يوحى بأنه ليس حركة سياسية بقدر ما هو تجمع نخبوى لمجموعة تلتف حول مرجع دينى وسياسى دون برنامج عمل سياسى مفصل وواضح نقطة الضعف الثانية هى مشاركته فى نشاطات ومؤتمرات المعارضة السابقة التى رعتها الولايات المتحدة لاسقاط نظام صدام والتى استخدمتها كذريعة لشن الحرب والاحتلال قبل أن تتعرض علاقات الطرفين للاهتزاز بسبب نكاية الإدارة الأمريكية بالمجلس وكأن الأمر كان استخدام واشنطن للمجلس كورقة توت شيعية للمشروع الأمريكى فى العراق نقطة الضعف هذه ستتعمق مع اتساع الهوة المتوقع بين برنامج التغير الذى ستسعى الولايات المتحدة إلى تنفيذه فى العراق والذى اعلنت بوضوح استبعاده لخيار الدولة الإسلامية أو أى طابع لأسلمة الدولة وبين اطروحات الحكيم والمجلس نقطة الضعف الثالثة هى موقف الحكيم والمجلس من مبدأ ولاية الفقيه والتزامه بما يمكن تسميته بنمط عراقى من مشروع الإسلام السياسى الإيرانى القائم على مبدأ ولاية الفقيه ولا يخفى الحكيم رؤيته لمفهوم الولاية التى يتولاها المرجع والتى تتضمن اضافة إلى تشخيص معالم العقيدة الإسلامية بجميع تفاصيلها الاخلاقية والاجتماعية والفتوى وبيان تفاصيل الأحكام الإلهية والمواقف الشرعية مسؤولية إدارة شؤون المسلمين أو ولاية أمورهم فى اقامة الدولة الإسلامية وإقامة الحكم الإسلامى وقيادة عملية التغيير فى المجتمع الإسلامى وعلى الرغم من أن الحكيم حاول فى مواقفه الأخيرة طمأنة المعارضين لهذا النهج من خلال دعوته إلى الرجوع إلى إرادة الشعب العراقى فى الإدارة ونظام الحكم والمشاركة الشعبية الدستورية فى القرار السياسى والاجتماعى وتشكيل الحكومة الوطنية التمثيلية وتأكيده على اقامة المجتمع المدنى الذى يلتزم بوجود المؤسسات السياسية الحرة والمتعددة والصحافة الواعية والقضاء العادل من خلال دستور يقره الشعب ونظام يقوم على أساس التعددية السياسية والانتخابات الحرة إلا أن عودته احيت النقاش حول دور الحركات الدينية الشيعية فى عراق المستقبل نقطة الضعف الرابعة هى علاقة المجلس مع المرجعية الدينية فى النجف وخاصة مرجعية السيستانى والتى تحظى باحترام وولاء وتقليد الأغلبية من القبائل الشيعية فى جنوب ووسط العراق والتى سيكون أى تعارض بين آرائها وممارسات المجلس تكريسا لازدواجية القيادة ومصدر توتر وخلاف قد ينعكس على الوضع الشيعى بشكل عام لقد اختار السيستانى طيلة حياته فى النجف التى انتقل اليها فى اوائل الخمسينات منهج استاذه الخوئى فى الابتعاد عن الانخراط فى العمل السياسى كما انه انتهج فقهيا بشأن مبدأ ولاية الفقيه منهجا وسطيا رفض فيه الولاية المطلقة للفقيه التى قال بها الخمينى واستنبط مبدأ الولاية التنفيذية التى تنحصر باعمال الفتوى الشرعية مبنية على الإدراك العقلى وليس النقلى وفى الإطار التنفيذى وليس التشريعى وكل هذه افكار تتعارض مع الاطروحات القائمة فى قيادة الدولة الإسلامية فى إيران التى ارتبط بها الحكيم لسنوات طويلة هناك ما يشير إلى صفقة توصل اليها الرجلان قبل وصول الحكيم إلى العراق وهى تقوم على إقرار الحكيم بمرجعية السيستنانى الدينية فى الوقت الذى سيترك فيه للحكيم المرجعية السياسية وهو ما يشير اليه بيان اصدره مكتب السيستانى فى لندن يوم 14 مايو ذكر أن الحكيم آية الله امضى 23 عاما فى الجهاد والنضال مما اكسبه خبرة سياسية ممتازة واليوم وبعد أن من الله على الشعب العراقى بزوال نظام الجور والطغيان والاستبداد اصبحت الحاجة ضرورية وملحة لوجود سماحته ليقوم بواجبه الشرعى تجاه وطنه وشعبه وقد تابعنا أحاديثه وخطاباته فوجدناها ملتزمة بخط القيادة النائبة الحقة فى عصر الغيبة الكبرى غير أن هذه العلاقة ستحتاج لفترة اختبار لمعرفة مدى قدرتها على بلورة مواقف مشتركة فى ظل ظروف معقدة بالنسبة للمرجعية الشيعية ذاتها والوضع الجديد فى العراق والمنافسة مع المرجعية الاخرى فى قم الإيرانية نقطة الضعف الخامسة هى علاقات المجلس بايران والتى أقامها خلال سنى تواجد قيادته وكوادره هناك من المؤكد أن واحدة من نتائج الحرب الأمريكية على العراق هى التأثيرات والضغوط التى سيخلقها الوضع العراقى الجديد على نظام الجمهورية الإسلامية فى إيران اضافة إلى انتقال مركز الثقل إلى مناطق الشيعة فى العراق والخليج سيجعل الحالة الشيعية الجديدة عاملا جيوبولتيكيا حاسما ليس فى تقرير مستقبل العراق بل المنطقة ولهذا السبب فإن الأنظار ستتركز منذ الآن على طبيعة العلاقة بين الحركات الشيعية العراقية وخاصة المجلس وإيران وقدرة النفوذ الإيرانى للتسلل إلى السياسة العراقية الجديدة لقد اظهرت كافة التيارات الشيعية العراقية وعلى رأسها المجلس خلال المرحلة الماضية رؤية وطنية عراقية على رغم الضغوط التى تعرضوا لها فى المنفى الايرانى وكان أحد الأسباب وراء ذلك هو اكتشافهم المبكر هو أن المشروع الخمينى لم يكن يخفى ابدا التوجهات الفارسية للدولة الإيرانية ومصالحها القومية لقد اختبر قادة التنظيمات الشيعية العراقية ومنتسبيها خلال تعاملهم مع النظام الإيرانى ان وراء أيديولوجية الجمهورية الإسلامية ومبدأ ولاية الفقيه كان يقبع دائما اسلام ايرانى ذو نظرة وطنية حتى انه تمادى احيانا فى التركيز على الخصوصية والمصالح الوطنية مما سيثير حذر الحركات الشيعية العراقية فى سلوكياتها وممارساتها بعد عودتها خشية وتحسبا من اتهامها بالتبعية أن التركيز على حركات الإسلام السياسى الشيعية لا ينبغى ان يطمس باى حال حقيقية جوهرية وأساسية وهى أن أغلبية شيعة العراق لا تنتمى إلى هذه التيارات وانها شأنها شأن أى طائفة دينية تتمسك بولائها الوطنى وهويتها الثقافية فى آن واحد كما تتوزع انتمائها السياسية على تيارات أساسية بين قومية عربية ويسارية ولبرالية لذلك فإن الصور التى بثتها الفضائيات التلفزيونية او نشرتها الصحف والمجلات عن مواكب العزاء فى الاضرحة الشيعية والطقوس المصاحبة لها والتى عادوا لممارستها بعد انهيار النظام قد تعطى فكرة عن قدرة حركات الإسلام الشيعى على التعبئة إلا انها بالتأكيد لا تعطى الصورة الواضحة والحقيقية عن شيعة العراق بمختلف الطيف العشائرى والسياسى والاجتماعى الذى يمثلوه وبالتأكيد ليس عن الطموحات والأهداف السياسية التى يرمون تحقيقها إن من سيحسم مستقبل شيعة العراق ودورهم هم الأكثرية منهم وخاصة نخبتها من الطبقى الوسطى المتنورة التى ستكسر أطواق الصمت والتحفظ والحذر التى ضربت حولها ومن المؤكد ان صوتها سيكون عاملا مؤثرا بل مرجحا لتحقيق إجماع بين الجماعات الدينية والقبلية حول أهداف وتطلعات الشيعة التى تتمحور حول تحقيق العدالة السياسية من خلال منح الأغلبية الشيعية فرصة ممارسة دورها السياسى نسبة لتعدادها السكانى فى عراق موحد يحفظ للجماعات الدينية والمذهبية والقومية دورها وحقوقها دون تمييز فى التحليل النهائى فإن التغيير الناتج عن سقوط نظام صدام لابد وان يوفر فرصا جديدة وكبيرة لشيعة العراق لترسيخ موقعهم السياسى والاقتصادى والاجتماعى على خارطة العراق بعد تهميش طال عقود طويلة ولعل أهم فرصة اصبحت فى يد الشيعة اليوم هى انه أصبح بإمكانهم لأول مرة فى تاريخ الدولة العراقية الحديثة أن يمارسوا دورهم كاغلبية عددية وسياسية بامكانها أن تقوم بدور فعلى فى الحكم والسلطة كاكثرية وليس مجرد مجموعة سكانية مهمشة ومهيمنا عليها من الأقلية لكن الوضع الجديد يخلق ايضا تحديات أمام الشيعة سيبرهن الزمن وأداؤهم السياسى اذا ما كانوا قادرين على تجاوزها هناك عدة مستويات من التحديات منها ما يتعلق بالفكر السياسى الشيعى الذى سيحتاج الآن إلى أن يدخل مناطق أخرى من التجريب خارج الإطار المذهبى الذى قصر نفسه على قوانينه الداخلية لحد الآن وان يكشف مجاهل أغلقت أمامه بسبب طبيعة التحدى الذى سيواجه فى اطار بلد تعددى والحاجة إلى المواءمة بين فكر تقليدى وبين قوانين العصر وضرورات التحديث. امام الإسلاميين والحركات الشيعية السياسية فى العراق تحد آخر يتعلق بالأفكار المتعلقة بطبيعة الدولة والبرامج التى سيطرحونها وهل سيبدءون من حيث انتهت اليه تجارب المشروع السياسى الإسلامى وخاصة فى إيران ام انهم سيصرون على خوض تجربتهم الذاتية دون اى اعتبار إلى حقيقة أن مشروع الدولة الإسلامية استنفذ امكانياته وفرصه ولم يعد هناك مجال آخر للتجريب وحتى لو ابتعد المشروع السياسى الشيعى عن هدف إقامة دولة إسلامية تحت هيمنة رجال الدين فإن خصوصية التعددية الدينية والمذهبية والاثنية والسياسية فى العراق ستفرض تحديا آخر بشأن محاولات أسلمة المجتمع دون ادراك بأن هذه الخصوصية تجعل من الحاجة إلى التميز بين كون الدين والسياسة حقلين مختلفين هى أكثر إلحاحا فى عراق المستقبل ذى الحاجة إلى التعددية والعدالة والانفتاح والقبول بالآخر ويبرز البعد والتأثير الإيرانى كتحد جيبولتيكى خطير بسبب الانعكاسات المتوقعة له على المنطقة اضافة إلى البعد الأمنى فى فترة الاحتلال الأمريكى الحالية مما يتطلب أكبر حرص ودقة فى التعامل معه خلال العقود الماضية مثل هذا البعد تحديا دائما بسبب الروابط المذهبية التى تجمع بين شيعتى البلدين فى الوقت الذى يبعد بينهما الانتماء القومى الفارسى والعربى والالتزامات الوطنية على المستوى المذهبى فإن من المتوقع استمرار العلاقات الجيدة بين شيعة البلدين وربما تعزيزها بسبب إعادة احياء دور الحوزة العلمية فى النجف لكن على المستوى السياسى سيبرز عاملان مهمان هما أولا حاجة شيعة العراق للموازنة الدقيقة بين تلك العلاقة وبين رؤيتهم المستقبلية للعلاقة مع المحيط العربى سواء داخل العراق أو فى الإقليم المجاور وثانيا الدور الذى تتطلع إيران لكى تلعبه داخل العراق والضغوط التى ستمارسها لأسبابها الخاصة ملامح هذا التحدى ستبرز فى وجود الحزب الإيرانى غير المرئى وكيفية تعامل الشيعة معه وعلى الرغم من أن الهم الرئيسى لشيعة العراق سيبقى تعزيز قوتهم السياسية الداخلية لكى تتماثل مع قوتهم العددية إلا أن هويتهم العربية ستضع على كاهلهم مهمة ترسيخ هذه الهوية التى ستبقى تتأرجح بين انتمائهم القومى والمذهبى من جهة وتدعيم روابطهم بالشيعة العرب فى البلدان المجاورة من جهة ثانية ويشكل هذا تحديا جوهريا نظرا للثقل الذى سيمثله شيعة العراق الجدد فى المنطقة وبسبب حالة التهميش التى تعانى منها الطوائف الشيعية فى معظم هذه البلدان مما سيخلق حالة من اليقظة الشيعية فى منطقة ملتهبة تعانى أساسا من اشكاليات فى الهوية وحساسيات دينية وطائفية وأوضاع سياسية هشة لهذا التحدى جانب آخر يتعلق بقدرة الأنظمة العربية وخاصة فى البلدان المجاورة وهى غالبيتها سنية على قبول سيطرة شيعية على مقدرات العراق وكيفية تعاملها مع هذا التغيير النوعى فى المعادلة التى كانت سائدة حتى قبل سقوط نظام صدام من الناحية النظرية إن نظاما تقوده قيادة شيعية معتدلة أو علمانية سيكون أكثر قبولا من الأنظمة العربية لأنه سوف لن ينزع للمغامرة وسيكون مثبتا للاستقرار فى المنطقة لكن تبقى الخشية من أن نظاما كهذا يأتى عبر صناديق الاقتراع سيكون مثالا مقلقا للقوة التى تمثلها العملية الديمقراطية المعدية بطبيعتها التحدى الأكبر أمام شيعة العراق سيكون بروزهم كفاعل موحد وتأكيد ذاتهم كقوة سياسية وعددية تجمع تياراتهم الدينية المختلفة وأحزابهم السياسية وعلمانييهم وجموعهم المستقلة فى موقف موحد يأخذ تبايناتهم بنظر الاعتبار لكنه يوحدهم أمام مهمة بروزهم كقوة سياسية تمثل الأغلبية وتأخذ نصيبها العادل من الحكم والثروة فى العراق الجديد تجربة المنفى والاحتكاك وخاصة فى الدول الغربية اثبتت قدرة الإسلاميين والعلمانيين الشيعة على الحوار والانسجام والتوصل إلى مساحات اتفاق مشتركة ومن المحتمل ان تنتقل هذا التجربة إلى الداخل من خلال التربية والثقافة الجديدة فى هذا الاطار ستبرز الحاجة لكى يكون مبدأ المواطنة هو الحل الأمثل ليس للاشكالية الشيعية الداخلية بل لحل مجمل معضلة الحكم فى العراق الجديد وبقائه موحدا وبهدف قيامه كدولة قومية حديثة هناك بالتأكيد مؤشرات على تزايد قوة الشيعة وتناميها ولكن لا يوجد هناك سواء فى الأدبيات الشيعية أو فى مواقف قياداتهم أو فى المشاعر الشعبية من الدلائل التى قد تشير لأية نزعة انفصالية أو إقامة دولة خاصة بهم كما لا تبرر ذلك اية مبررات اقتصادية أو جغرافية أو ثقافية بل على العكس من ذلك هناك ما يشير إلى وجود نزعة قوية لديهم بأنهم هم العراق من المؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد تناميا فى التعبير عن الهوية الشيعية بعيدا عن الاستحياء السابق الذى كان يربط ذلك بمخاوف الاتهام بالطائفية لأن ذلك سيكون الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المطالبة بالدور السياسى المساوى للأغلبية العددية التى يتمتعون بها غير أن ذلك لن يكون على حساب الهوية الوطنية يثبت تاريخ الدولة العراقية الحديثة أن الشيعة خسروا كل معاركهم السابقة فى تأكيد قوتهم كأغلبية وأحقيتهم بدور سياسى مكافئ لذلك وسيثبت المستقبل ما اذا كانوا أصبحوا الآن أقرب لتحقيق ذلك أم أن التاريخ سيعيد نفسه للأسباب ذاتها التى حرمتهم منها فى بداية القرن الماضى أو لأسباب أخرى المراجع: ـ شيعة العراق:

اسحق نقاش ـ شيعة العراق بين الطائفية والشبهات:
حامد البياتى ـ الفقيه والدولة الفكر السياسى الشيعى:
فؤاد ابراهيم ـ تطور الفكر السياسى الشيعى من الشورى إلى ولاية الفقيه:
أحمد الكاتب ـ دور الشيعة فى تطور العراق السياسى الحديث:
عبد الله النفيسى ـ الفكر الإسلامى المعاصر فى إيران جدليات التقليد والتجديد:
محمد رضا وصفى ـ مشكلة الحكم فى العراق:
عبد الكريم الازرى ـ نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة:
برهان غليون ـ الشيعة والدولة القومية فى العراق:
حسن العلوى ـ العراق فى العقد المقبل:
هل سيقوى على البقاء حتى عام 2002:
جراهام فولر ـ المرجعية الدينية والتحولات المعاصرة:
محمد باقر الحكيم مجلة المنهاج 20 شتاء 2000 ـ الانبعاث الشيعى فى العالم قراءة فى كتاب جيوبولتيك التشيع مجلة المنهاج 25 ربيع 2002 ـ الصراع على مستقبل العراق، رضوان السيد الحياة 9 مايو 2003

Analysis & views from the Middle East