الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (2)
في مقالته في “الاهرام ويكلي” قلب “معالي وزير” الخارجية العراقي الهرم اعاليه سافله ووضع بدبلوماسية يحسد عليها الامور بالمقلوب بغية الهروب من صلب الموضوع ولكني سأدع القراء يطلعون على نص مقاله في العدد الالكتروني يوم غد السبت قبل ان اتناوله بالرد، اولا بالعربية للقراء العراقيين الذين يعنيني اطلاعهم على موضوع النقاش بالدرجة الاولى، وبعدها سألجأ للرد باللغة الانكليزية للرأي العام العالمي.
لكني اريد قبلاً ان اسرد هنا نزرا يسيرا من خلفية تاريخية قد تساعد في اغناء القراء ببعض المعلومات للالمام بموضوع النقاش الجاري وهو عن مجمل اداء السياسة الخارجية العراقية وجهازها الدبلوماسي منذ التغير الحاصل بعد الغزو الامريكي واسقاط نظام صدام، وهو نقاش لازلت ادعو كل العراقيين ابتداء من القراء الى النخبة وانتهاء بلجنة الشؤون الخارجية البرلمانية للخوض فيه بعمق ومسؤولية.
في 9 ايلول 2003 كتبت تقريراً صحفيا في وكالة انباء الاسوشيتدبريس التي كنت اعمل بها عن “معالي وزير” خارجية حكومة ادارة سلطة الائتلاف، المعروفة شعبيا بادارة بريمر، بعد ان اتخذ مقعده بين 21 وزير خارجية عربي في قاعة اجتماعات الجامعة العربية بالقاهرة وكنت ملماً بطبيعة الحال بالجهود والضغوط الامريكية التي جرت خلف الكواليس لاعادة المقعد للعراق بعد التغير.
تأملت خيرا وانا استمع الى “معالي الوزير” من شرفة الصحافة في قاعة الجامعة العربية وهو يقول في اول كلمة له “ان العراق الجديد سيكون مغايرا عما كان عليه في عهد صدام حسين.العراق الجديد سيكون قائما على التنوع والديمقراطية والدستور والقانون واحترام حقوق الانسان.”
اطربني تعبير “العراق الجديد” وانا انظر الى وجوه اصحاب السمو من الامراء والشيوخ واصحاب المعالي والسعادة في القاعة الذين اعرف جيدا من خبرتي معهم المباشرة، او من خلال مؤتمرات وقمم الجامعة العربية منذ عام 1978 حساسيتهم الشديدة لمثل هذه التعبيرات الطنانة وقلت لنفسي يا مسهل هاهي نغمات جديدة تعزف في قاعة بيت العرب لعلها تثمر شيئا مفيدا اكثر مما تطرب.
في 4 نيسان 2004 وفي اثناء الاجتماع الثاني الذي يحضره زيباري لمجلس الجامعة العربية كتبت عنه “بروفايل” لتقديمه للعالم كوزير خارجية كردي اصبح يجلس بين نظرائه العرب المتوجسين عاكسا حقيقية “العراق الجديد” بتنوعه الاثني وبتقديمه نموذج سياسي وانساني وحضاري لباقي دول المنطقة الموبوءة بالطائفية والعرقية والدكتاتورية.مما قاله لي في المقابلة التي اجريتها معه “انا لا امثل جماعتي الاثنية ولكني امثل كل العراق ومصالح العراقي ككل… ولائي هو دائما للعراق وليس لمنطقة معينة بذاتها…. ربما لدي ارائي الخاصة ولكني الان امثل مصالح العراق وليس مصالح الاكراد.”
من يعود بذاكرته الى تلك الايام العصيبة التي كانت الجامعة العربية قد حددت فترة عام لاختبار الحكومة العراقية سيجد ان تقريرا مثل هذا (نصه على الانترنيت) “يسوق” “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” بطريقة ايجابية امام المتربصين به وبحكومته من الحكام والنخب العربية، لا بد ان يكون ورائها حسن نية وتنطوي على أمال وتطلعات ان يكون الوزير وحكومته عند حسن الظن ببناء العراق الجديد المنشود، بالرغم من كل المخاوف التي كانت تعتريني من بناة العراق الجديد والتي كنت قد عبرت عنها قبل الغزو واجملتها في مقالي في جريدة الحياة في اليوم الاول لانعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن في كانون الاول 2002 وعنوانه “كنت اعلم مالذي سيتهدم ولكني لا اعرف مالذي سيبنى فوق الانقاض.”
عرفت “معالي الوزير” مثلما عرفت اصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة الكثيرين الذين عبروا وسيعبرون في حياتنا منذ الغزو، لكن مشكلته الاولى انه لا يبدو قادرا، مثل الاخرين من زملائه، على التميز بين كاتب وصحفي حر ومستقل كان يحاول ان يعطي الناس املا بالفرصة التي جاء بها التغير للعراقيين وبين المنافقين وحارقي البخور والدجالين والسماسرة الذين يزينون لهم ما هم عليه.
المشكلة الثانية انه يدرك اني ابن مكة وادرى بشعابها وقاطنيها، واني بنيت خلال اعوام طويلة مصداقية في الصحافة العالمية والعربية لم تتهز ابدا، ولست من كتاب الوجبات السريعة في الصحافة الغربية او المرتزقة في الصحافة العربية، او ممن تزدحم بهم مواقع النميمة على الانترنيت، وهذا مكمن السر في تهافته على الرد على مقالي بعد محاولات فاشلة قام بها سعادة سفيره في الجامعه العربية للرد باسمه وتم رفضها من الجريدة.
—