(1)
نشوء وارتقاء دولة علي بابا
في يوم 4 تشرين الاول (اكتوير) 2009 كنت في بغداد اشارك في لقاء ضيق دعت اليها وزارة الحوار الوطني العراقية اطلقت عليه اسم “الملتقى الفكري الأول للَنخب العراقية” للبحث في إشكاليات تعثر المصالحة الوطنية.كنت وصلت الى بغداد مبكراً مما اتاح لي الوقت فرصة اللقاء بالعديد من الأقارب والأصدقاء والناس والإستماع الى افكارهم وارائهم بخصوص الأوضاع السياسية والإقتصادية والإاجتماعية بعد مرور ست سنوات على الغزو الأمريكي، واربع سنوات على تشكيل حكومة عراقية جاءت بإنتخابات وصفت بانها حرة ونزيهة.محصلة تلك الأحاديث والمشاهدات العيانية التي قمت بها خلال يومين قبيل بدء الندوة جاءت مطابقة لما كنت على إطلاع عليه، وللمعلومات التي كانت متداولة إعلاميا وفي أروقة الأجهزة الدبلوماسية والسياسية العالمية والاقليمية والتي كانت تعكس خيبة أمل الشارع العراقي بالنتائج المتحققة منذ الاحتلال، ويأسا من إمكانية حصول اي تقدم على صعيد اعادة بناء الدولة والمجتمع بعد تدميرهما نتيجةللغزو وللاحتلال.
في امسية قضيتها في الشارع الرئيسي لـ”الكرادة الشرقية” وسط بغداد كان أكثر ما لفت انتباهي هو حديث الناس عن الفساد المتغول في كل زاوية من زوايا الدولة، ولدى الطبقة السياسية المهيمنة، التي كانت قد استوطنت تلك المنطقة الشاسعة من بغداد، وخاصة احيائها الراقية بعد ان استولت على قصور وبيوت قيادات نظام “صدام حسين” هناك وحولتها الى مساكن ومكاتب احاطتها بحصون من الكونكريت والأسلاك الشائكة، والتعزيزات الأمنية والعسكرية.كنت قد قضيت السنوات الأخيرة في العراق قبل ان اغادره الى المنفى عام 1991 في منطقة “الكرادة الشرقية” تلك حيث كان مكتبي وسط “شارع الجادرية” الرئيسي وكنت اعرف كل شبر فيها وهالني ما رأيته خلال تلك الجولة التي قمت بها في ذلك المساء بصحبة صديق من ابناء المنطقة حيث لم يكن هناك شارع او زقاق يخلو من بيوت ومكاتب لقيادات وكوادر الأحزاب الشيعية استولوا على الكثير منها بطرق غير شرعية، وغير قانونية، سواء من أملاك الدولة، او من عقارات الناس التي حصلوا عليها بطرق التفافية وعبر التدليس والاحتيال.
اثارت تلك المشاهد ذكرياتي عن العديد من أركان تلك الفئة من السياسيين وماضيهم الملوث بالفساد ايام ما يحلوا لهم ان يسموها فترة معارضتهم لنظام “صدام حسين”.في احدى مداخلاتي في الملتقى الذي بدأ صباح اليوم التالي وفي حضور قيادات من أغلبية الأحزاب المشاركة في الحكم ومن بينها “علي الاديب” و”همام حمودي”، وغيرهم، تحدثت عن الفساد المتغول باعتباره المعوق الأساس لاعادة البناء وللعملية السياسية واتمام المصالحة الوطنية ووصفت الدولة التي يديرونها بانها “دولة علي بابا”.كنت انتويت ان اطلقها صرخة مدوية في وجوههم، فلم اجد تعبيراً غير “دولة علي بابا” يليق بوصف ما آلت اليه الأمور في العراق على ايديهم من فساد، ومحسوبية، وشللية، وهيمنة طغمة صغيرة من الفاشلين والعاجزين ومفتقدي الكفاءة والخبرة وعديمي الضمير على الحكم وعلى الساحة السياسية في “العراق الجديد”.كما اردت ان اثير من خلال ذلك الوصف الرمزي في دواخلهم صدمة قلت لعلها تفيقهم من غيهم وتنبههم الى ان ذلك السلوك المزري والخائب الذي ينتهجونه سينتهي لا بفشل العملية السياسية، وانما الى تدمير الدولة وانقراضها.
والحقيقة لم يكن تعبير “دولة علي بابا” من ابتكاراتي فقد سمعت من عراقيين كثيرين اثناء تلك الزيارة وقبلها عن قصص يرونها عن “الفرهود” الذي صاحب بدء الغزو في نيسان (ابريل) 2003، وخاصة في بغداد، وكيف ان الجنود الأمريكيين كانوا ينادون على العراقيين بــ”يالا، (هيا) علي بابا” وهم يحرضونهم على اقتحام المنشئات والمعسكرات والدوائر والمصانع والبنوك، وغيرها من مؤسسات الدولة التي كان يجري نهبها تحت ابصارهم، ويحثونهم على الاجهاز على ما تبقى فيها من ممتلكات لم تطالها يد النهب بعد.(1)
من يعود الى ما كتبته الصحافة الغربية وبثته الشاشات التلفزيونية انذاك سيجد ان تقاريرها جاءت مطابقة لشهادات العراقيين حيث حفلت بالكثير من الإشارات الى “علي بابا” على لسان الجنود الامريكيين والبريطانيين مصحوبة بتعليقات حافلة بالإزدراء والإحتقار للصوص المغارة الجدد الذين وقفوا يتفرجون عليهم وكأنهم امام مشهد من مشاهد افلام ديزني الهوليودية.
كانت فكرة “علي بابا” كما هي متجذرة في المخيال الغربي وفي الذهنية الإستشراقية احدى عناصر المشروع الامريكي لإحتلال العراق ومطبخه الأديولوجي لإشاعة وترسيخ مفهوم الإستحلال.ولعل خير من عبر عن ذلك هو وزير دفاع الغزو واحد ابرز عرابيه ومهندسيه، “دونالد رامسفيلد”، حين صرح في احد مؤتمراته الصحفية ردا على الانتقادات التي وجهت للقوات الأمريكية بانها وقفت متفرجة امام استباحة تلك المؤسسات، وخاصة “المتحف العراقي” بقوله ان عمليات السلب والنهب كانت “مجرد رد فعل طبيعي ومتوقع على سنوات القهر التي عاشها العراقيون تحت حكم صدام.”(2)
وبالرغم مما يخطر على البال دوما بان حكاية “علي بابا والأربعين حرامي” هي من بين حكايات “الف ليلة وليلة”، اي من التراث العربي او الاسلامي، الا ان الحقيقة التي اكدتها الدراسات العديدة هي انها من إختلاقات الإستشراق الغربي.وتعزى الحكاية الى المستشرق والمترجم الفرنسي “انطوان غالان” الذي يعتقد على نطاق واسع انه اضاف حكاية “مغارة علي بابا” ومرجانة مع الأربعين حرامي الى الليالي الأصلية في القرن الثامن عشر بعد ان سمع تلك الحكايات اثناء زيارة له الى مدينة حلب السورية.
المهم في الامر ان تلك الحكاية الأسطورية التي تنطوي في سرديتها الروائية على مغزى ورسالة في تذميم الطمع وحب المال والخداع والخيانة لم ينظر اليها في الغرب فقط على انها من روايات المغامرات المسلية للاطفال التي تحولت الى عدد لا يحصى من الأفلام والمسرحيات، وانما اصبحت جزءاً من تراث الإستشراق العالمي الذي ينظر من خلاله الغرب الى العالم العربي باعتباره لا يزال قريب العهد بماضيه حتى لو كان ذلك الماضي هو مجرد فولكلور وحكايات من انماط ما يروى للإطفال قبل النوم.
وبغض النظر عن شعارات تحرير العراق وادعاءات بناء نظام نموذجي في الشرق الاوسط ونشر الديمقراطية فيها فمن وجهة نظر امريكا كان العراقيون الذين احتلتهم هم من سلالات ابطال حكايات “الف ليلة وليلة”، ولم تكن بلادهم الا “مغارة علي بابا” وبالتالي لم يكن امامها الا ان تعيد انتاج ذلك الفولكلور، لا لكي يقف جنودها يتسلون به هذه المرة، بل لتشهد به تدمير العراق من خلال النموذج الذي صنعته على مزاجها، ووفقا لرغبتها: دولة فاشلة، فساد متجذر، قيادة عاجزة، وادارة متعثرة.
ان مفهوم او فلسلفة “دولة علي بابا” ليست هنا مجرد تلك الرغبة اللصوصية المتحكمة بطريقة ادارة الدولة، بل هي في نهج الحكم بكل ما يحمله من سياسات ومعان متضمنة وسلوكيات وتوائهما الشرطي مع تطبيقاتها في القضايا والأنشطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والقيم الأخلاقية التي تزرعها في المجتمع.ان اسؤ تجليات “دولة علي بابا” اضافة الى الفساد الذي غرسته هو نظام المحاصصة الذي قامت عليه، والصراع الطائفي الذي اخرجته من قمقمها والذي ولد الإرهاب الذي حصد مئات الآلاف من ارواح العراقيين. لم تنهض أمريكا بهذا المنهج التخريبي لوحدها، ولكن لسؤ الحظ، آزرها فيه عراقيون تفانوا في لعب دور الأربعين حرامي منذ اللحظة الأولى للإحتلال الذي كان كريما معهم، ليس في تسهيل لعبة ادعاء تمثيل المقاومة الوطنية لنظام صدام، وانما في تسليمهم السلطة عبر ما سمي بـ”مجلس الحكم الإنتقالي” والذي مكنهم لاحقا من وضع يدهم على كامل الدولة والثروة.
ان اول ما قام به هؤلاء اللصوص، وحتى قبل ان يلفظ نظام صدام انفاسه، هو استيلائهم على قصوره وقصور ازلامه، ثم الكثير من ممتلكات ومؤسسات الدولة، وبذلك ضربوا مثالاً للآخرين في الشروع بأكبر عملية منظمة لنهب وتدمير دولة في العصر الحديث. وفي الوقت الذي بقي فيه الجنود الامريكان يتمتعون بمشاهد حية وحقيقية لنسخة جديدة، ولكن غير هوليوودية، من افلام “علي بابا” فان العراقيين الذي كانوا يشاهدون ذلك بحزن وألم وحيرة نحتوا اسما اخرا هو “الحواسم”، رديفاً ساخراً لما انتهت اليه الحرب المدمرة التي خيضت باسمهم بعد ذلك من نهب منظم لثروات بلدهم ومهانة سيتحملون عبئها لأجيال عديدة جراء انتهاك حقوقهم وكرامتهم الإنسانية من خلال ممارسات الفساد الذي يتعرضون لها يوميا على يد حكامهم الجدد.ليس بالإمكان تحديد حجم هذا الفساد الناتج عن مآثر “دولة علي بابا” بالقيمة الدفترية بشكل دقيق، فتلك مهمة غدت مستحيلة، لأسباب على رأسها اتساع الممارسات افقيا وعموديا، ونطاق السرية المضروب حولها، وعمليات التضليل التي تحيط بها.وحتى “مؤشر الفساد العالمي” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية” والذي لا يزال يضع العراق منذ عام 2004 لحد الآن في موقع متقدم كواحد من اكثر البلدان فسادا في العالم لا يوفر معطيات عن الرقم الحقيقي لحجم الفساد في العراق ولا حتى مجمل صورة تقريبية له، ربما بسبب الإطار الضيق للمؤشرات التي وضعتها. ومع ذلك فان ما يتوفر من معطيات يكشف عن حالة فريدة وصفها متخصصون دوليون بانها اكبر فضيحة فساد في التاريخ الإنساني.امريكيا، تقول الارقام المنشورة ان 360 طنا من الدولارات قد ارسلت في رزم بلاستيكة الى ادارة الإحتلال ربما تتراوح قيمتها بين 60 الى 80 مليار دولار قد انفقت اثناء سنوات الغزو الأولى على مشاريع اغلبها وهمية في العراق في حين ان حوالي 10 مليار دولار منها اختفت تماما ولم يتم العثور على اية مستندات تثبت طرق انفاقها.
اما عراقيا، فان الموارد المتحققة من بيع النفط بشكل رسمي قد تتجاوز 500 مليار دولار خلال السنوات التي اعقبت الإحتلال، عدا البيوعات غير الرسمية الناتجة عن التهريب والسرقة والإستثمارات النفطية غير الخاضعة للحكومة، كما في إقليم كردستان.وبسبب عدم وجود أرقام رسمية معتمدة فان من الصعب ضبط كم الفساد الناشئ عن كل هذه المصادر التي تمثل الحجم الأكبر لعمليات نهب الثروة الوطينة.ولا يمكن باي حال من الأحوال تحديد حجم الفساد المالي والإداري بشكل دقيق ايضا لأسباب عديدة، الا ان التقديرات المبنية على اساس عمليات غسل الأموال التي تغادر الى الخارج استنادا الى حجم مبيعات الدولار عبر نظام المناقصات التي يجريها “البنك المركزي العراقي” تصل الى 40 مليار دولار سنويا. اما حجم الفساد في القطاعات الاخرى كالمقاولات، والعمولات، والاختلاسات، والرشاوي، والسرقات فتبلغ حسب بعض التقديرات حوالي 18 مليار دولار سنويا.
غير ان تقريراً نشرته مؤسسة (ويلث اكس)، وهي شبكة مخابراتية خاصة تتابع الحسابات المصرفية والأموال الشخصية والعائلية في العالم في شهر ايلول (سبتمبر) 2013 كشف ان العراق احتل المرتبة السادسة ضمن قائمتها للأثرياء في منطقة الشرق الأوسط للعام 2013 بمجموع ثروات تبلغ 15 مليار دولار تعود الى 175 ثريا عراقيا متخطين الرقم السابق لعام 2012 وهو 160 ثريا بثروة تقدر ب 13 مليار دولار.(3)
الا ان هذا التقرير رغم انه يقدم صورة عن تصاعد وتيرة تكوين الثروات المشكوك في اصولها في العراق بشكل سريع وخلال فترة قصيرة قد لا يكون مؤشراً دقيقا عن حجم الفساد الحقيقي لانه لا يتضمن كل الثروات والأموال غير المنقولة داخل العراق وخارجه وكذلك الأموال التي تم تبيضها في مشاريع مشتركة او المسجلة باسماء لا تحمل الجنسية العراقية. ان صعوبة الحصول على معطيات حقيقية عن حجم الفساد والطلاسم التي تحيط بصوره المختلفة وأبطاله والغموض المتعمد الذي يحيط بهذه الممارسات والشبكات العنكبوتية المرتبطة تضيف مفهوما مكملاً لمفهوم “دولة علي بابا” وتوفر دليلاً جديداً على تسيد آليات عمل المغارة الإسطورية، وعالم الجريمة المنظمة، وقيم اللصوصية وثقافتها ومظاهرها، من غموض وفضائح وصراعات وازمات وعنف وفوضى. (4)
ويبقى السؤال من هم الأربعون حرامي في “دولة علي بابا” الذين يمتلكون امبراطورية الفساد هذه ويشتركون في ادارتها.انهم بالتأكيد اكثر عددا بكثير من الأربعين، وهم من كبار المسؤولين في السلطة، وفي قيادات الأحزاب المشاركة فيها مع أولادهم واقربائهم، يعاونهم فيها كوادر عليا تضم وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين وقادة امنين وقضاة وسفراء ودبلوماسين يشكلون كلهم شبكة من الشركاء والأعوان تضم مقاولين ورجال أعمال وسماسرة واصحاب محطات تلفزيونية وإعلاميين يتعاونون معا في اقتسام كعكة الفساد المهولة في العراق.ان اية محاولة لتحديد اسماء معينة بإعتبارها بؤرة الفساد في العراق ستكون على احسن الإفتراضات قاصرة عن رسم صورة حجمه الحقيقي وتسمية كل ان لم يكن اغلب المسؤولين عنه والمتورطين فيه.والحقيقة المرة هو انه سيكون من المستحيل بعد مرور كل هذا الوقت الوصول الى معلومات دقيقية عن تفاصيل كل عمليات الفساد والنهب التي جرت طالما ان اغلب تفاصيلها قد ضاعت في دهاليز الفساد نفسه، مما يقصر اغلب العمل هنا مع الأسف الشديد على مجرد محاولة تقيم الفساد في العراق من خلال رسم صورة كلية له، في حين تبقى التفاصيل الجزئية متناثرة هنا وهناك.
يأتي على رأس القطاعات التي ساد فيها الفساد القطاع النفطي لأسباب بديهية، كون بحيرة النفط التي يعوم فوقها العراق هي الكنز الذي كانت تتوجه اليه الأنظار.فمنذ اليوم الأول للإحتلال طرحت مسألة إدارة الثروات النفطية الهائلة نفسها كقضية جوهرية امام سلطة الإحتلال وامام الزمر العراقية التي اتت بها، وخاصة في ظل المخاوف التي عبر عنها العراقيون والرأي العام العالمي عن الغايات المبيتة وراء الغزو والتي جاءت على رأسها السيطرة على النفط ونهب موارده، وليس لأهداف تتعلق بتحرير العراق من صدام، او بناء بلد ديمقراطي كما ادعا المحتلون.ولم يمض وقت طويل حتى بدأت تلك المخاوف تتحق على أرض الواقع كما بدأت تتكشف اسرار الإتفاقيات والتفاهمات التي تم توصل اليها من قبل شركاء الغزو لإقتسام كعكة النفط في العراق.(5)
احد أبرز تجليات التفاهمات حول النفط والهيمنة على ثروات العراق الطبيعية جاءت من خلال نظام منح العقود النفطية على أساس عقود الخدمة لتطوير الإنتاج في الحقول النفطية، وهو نظام قننه الإحتلال واستمرت عليه الحكومات المتعاقبة وضع مصادر الثروة النفطية العراقية تحت رحمة الشركات العالمية.فبموجب هذا النظام الذي حذرت منع القوى الوطنية والخبراء النفطيين يتم منح مبلغ متفق عليه لكميات من النفط يتم الإتفاق على استخراجها ايضا بغض النظر عن الأسعار التي يتم تداول النفط بها في الأسواق الدولية، او مستويات الطلب المتغيرة للنفط ، مما يعني تحمل العراق التكاليف والخسائر لوحده، مهما كان حال السوق الدولية.وخلال هذه السنوات فقد تحمل العراق خسائر فادحة نتيجة لإنخفاض اسعار النفط، والتقلبات في السوق، في حين ظلت هذه الشركات تنهب الموارد العراقية نتيجة لإتفاقات مجحفة وقعتها معها حكومة “دولة علي بابا” تتيح لها الحصول على المكاسب دون تحمل مخاطر متغيرات السوق.(6)
ولم تكمن مشكلة التراخيص فقط بانها كانت ادوات نهب مقننة للثروة العراقية وانها حرمت الشركات النفطية الوطنية العراقية المتمرسة بالصناعات النفطية من العودة الى مزاولة اعمالها وتطويرها للحقول النفطية بدلا من وضع الثروة العراقية بيد الشركات الاجنبية، بل انها تجاوزت ذلك حين منحت عقود التراخيص للشركات بأقل قدر من الشفافية، كما ان عملها ظل بعيد عن مراقبة البرلمان، او اية جهة رقابية عراقية اخرى، او اخضاعه للتدقيق والمحاسبة.وهكذا ظلت تلك الشركات تعمل وفق عقود مجحفة في وقت امتنعت فيه الحكومة عن توفير المعلومات الكافية للرأي العام بشأن الإنتاج والإحتياطيات النفطية، او الغازية، في الحقول التي جرى التصرف بها، او عن الأسعار، او معدلات التصدير، ولا عن اية معلومات تتعلق بالعمليات الانتاجية برمتها التي ظلت طي الكتمان.ومن البديهي ان انعدام الوسائل التي يمكن استخدامها في التحقق من الواردات يعني ايضا غياب القدرة على تحقيق اي توزيع عادل للثروة الوطنية، وهو الامر الذي انعكس بشكل مباشر سلبا على عملية بناء الدولة الجديدة وإطلاق عملية تنموية شاملة لتعويض العراقيين عن سنوات البؤس والحرمان والشقاء التي عانوها تحت نير الأنظمة السابقة.(7)
واذا كان ذلك هو الشكل (القانوني) الذي رسخته سلطة الإحتلال لإستغلال الموارد النفطية العراقية للفترة اللاحقة فانها فعليا دكت اساسا لما هو اسؤ من ذلك بكثير حين فتحت الأبواب على مصاريعها امام عمليات النهب الواسعة التي تولتها الجماعات الحاكمة والمليشيات التي حرصت على امتلاك مفاتيح تلك الأبواب.فلقد ظلت موانئ التصدير الرسمية تعمل لسنوات طويلة دون عدادات تسجل كميات النفط المباعة كما خلت هذه الموانئ من اية رقابة على التصدير، في حين ان حقول النفط وانابيب التصدير والصهاريج وغيرها من وسائل نقل النفط من شمال العراق حتى جنوبه ظلت الى سنوات طويلة تحت رحمة الجماعات الحاكمة، واذرعها المليشياوية المسلحة، تنهب منها وتبيعها بشتى الطرق والوسائل الى عصابات تهريب محلية ودولية، كان بعضها تشكل في عهد النظام السابق لتهريب النفط اثناء فترة الحصار المضروب بعد غزو الكويت عام 1990، حيث تقوم بنقله الى الدول المجاورة وخاصة ايران والأردن وتركيا، بل وحتى اسرائيل.(8)
وطيلة كل هذه السنوات واجهت الدعوات المنادية بوقف نهب النفط العراقي وتهريبه آذانا صماء من قبل القوى الحاكمة التي في السلطة التي رفضت التحرك لردع الجماعات السياسية المتنفذة التي اصرت بدورها على الإستمرار في عمليات السرقة المنظمة.ونظرا لإتساع نطاق عمليات التهريب وتعدد الأطراف المتورطة فيها، والتي تشمل جماعات حزبية، ومليشيات نافذة، ورجال دين، وزعماء قبائل ومافيات تهريب قوية، اصبح نهب الثروات النفطية أمرا واقعا يصعب القضاء عليه في ظل هيمنة نفس الجماعات على السلطة.
وخلال هذه الفترة ثبت انه من المستحيل توفر ارقام حقيقية عن كميات النفط التي تم سرقتها وتهريبها لأسباب عديدة تتعلق بإتساع الرقعة الجغرافية التي كانت تجري عمليات التهريب من خلالها، وتعدد الجهات التي كانت تقوم بتلك العمليات السرية، ووجود شبكات اقليمية ودولية سرية ساهمت بعمليات الشراء والبيع والنقل الى الأسواق الدولية.ولكن من المؤكد ان مئات الملايين من اطنان النفط تم تهريبها والتي كلفت الدولة العراقية مليارات الدولارات كان بالإمكان استثمارها في مشاريع التنمية الإقتصادية والإجتماعية التي حرم منها العراق، والأسوء من كل ذلك انها اشاعت ورسخت ثقافة المافيا ونهب المال العام التي اصبحت نهجا دائما يصعب مواجهته.(9)
ان واحدة من اسؤ نتائج هذه الحالة هي وقوع العراق في شباك “ريع الازمات”، وهي الحالة التي تنشأ من سعي الجماعات المتصارعة على السلطة في اي بلد الى وضع يدها على الموارد الطبيعية في مناطق الصراعات، كحقول النفط مثلا، بغية الحصول على ريعها وحرمان الأطراف الاخرى منها.وفي حين تؤدي هذه الظاهرة بالجماعات المتصارعة الى السعي لتحقيق نوع من توازن الهيمنة على الموارد فانها تضع البلد برمته في حالة من السيولة طابعها العام عدم الإستقرار وإستمرار الأزمة، من دون إنهيار للدولة، لقاء إستمرار المتصارعين بالحصول على الموارد مما ينتج عنه على المدى الطويل تفكك تدريجي لبنى الدولة وتشظيها.(10)
ومن نتائج هذه الظاهرة ايضا ان تنظيم داعش الإرهابي تمكن خلال فترة سيطرته على أراضي شاسعة بعد إحتلال الموصل صيف عام 2014 من التحكم بحقول نفطية كبيرة في تلك المناطق والبدء بإستغلالها وبيع النفط من خلال شبكات التهريب كان بعضها يرتبط بجماعات عراقية سياسية ومسلحة متورطة بسرقة النفط وتهريبه كما ترتبط بشبكات تهريب دولية، البعض منها يدار من قبل اجهزة استخبارية او عوائل سياسية في دول الجوار.حقا ان التنظيم الإرهابي تمكن من الحصول على مئات الملايين من الدولارات، الا ان غالبية العوائد كانت تذهب الى جيوب القائمين على إدارة هذه الشبكات العنكبويتة وتسهيل عملها.(11)
واذا كانت موارد الثروة النفطية هي الكنز الأكبر الذي ضمته مغارة “علي بابا” منذ ان تمكنت الجماعات الحاكمة من وضع يدها عليه فان طمعها وجشعها اللامحدودان قد فتحا شهيتها للإستحواذ على مصادر اخرى من الثروات الوطنية والموارد الحكومية.وجاءت المقاولات والعقود الحكومية على رأس هذه الموارد التي وضعت زمر الحكم بعد الغزو يدها عليها بمختلف الطرق والوسائل بحيث انها اصبحت في نهاية المطاف الجهات الوحيدة التي يمكنها الحصول على العقود الخاصة بهذه الصفقات عبر شبكة من رجال الاعمال والمقاولين الذي يرتبطون بها، او من خلال الحصول على عمولات مجزية من الشركات والمقاولين لكي يتم ترسية العقود عليها.
فوفقا لميزانيات الدولة للأعوام التي تلت الغزو فان مليارات من الدولارات تم صرفها على المشتريات الحكومية المختلفة من مواد غذائية يتم توزيعها ضمن نظام التموين، او الأدوية والمواد الصحية التي تستوردها وزارة الصحة، اضافة الى العقود الخاصة بالأسلحة، والخدمات العامة، وغيرها وكذلك المقاولات التي تمنحها الأجهزة الحكومية للشركات لاغراض المشاريع المختلفة.ان معظم، ان لم يكن كل تلك المليارات ذهبت الى جيوب قادة الإحزاب والجماعات الحاكمة ومسؤوليها، مما ادى بالتالي الى نشؤ إحتكار سياسي-مالي هيمن على معظم القطاعات الاقتصادية الأساسية، كشركات المقاولات والشركات التجارية والبنوك.
ما اكدته هذه الهجمة الشرسة على الموارد العامة من قبل جماعات السلطة والنظام الزبائني الذي اقامته خلال اكثر من عقد هو ان الفساد في مجالات العقود والمشتريات والمقاولات الحكومية لا يتعلق فقط بالمليارات من الدولارات التي تم سرقتها، بل وايضا بانعدام كفاءة ورداءة الخدمة المقدمة التي لا يقتصر تأثيرها على تدهور الخدمات في قطاعات الكهرباء والماء والصحة والتعليم وغيرها، بل الى نتائج بالغة الخطورة قد تؤدي في بعض الأحيان الى سقوط ضحايا بشرية نتيجة إنهيار مباني بنيت بمواد غير صالحة، او شراء أجهزة ومعدات مغشوشة، او أغذية او ادوية منتهية الصلاحية.(12)
وفي خطوة سعت فيها قيادات هذه الأحزاب والجماعات الى تشديد قبضتها على موارد الدولة قامت بتشكيل ما سمته باللجان الإقتصادية داخلها كي تنظم عمليات سرقة، ونهب موارد الدولة، وإدارة توزيعها بين قياداتها واعضائها المتورطين وتنسيق الأدوار وتوزيع المكاسب بين الجماعات ذاتها حسب الوزارات، او القطاعات الحكومية التي هيمنت عليها.وخلال كل هذه السنوات ظلت هذه الهيئات مصدر شكوى وتذمر من قبل كل المعنين من المتضررين من عملها ومن قبل الرأي العام الذي كان يرى فيها مصدرا أساسيا للفساد الذي يعاني من تبعاته.وفي اقرار علني عن عمل هذه الهيئات بطرق لاقانونية والتفافية وصفها رئيس “هيئة النزاهة” حسن الياسري امام جلسة برلمانية بانها “اشباح تعمل بالخفاء” في الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة، مطالبا الحكومة بالكشف عنها وايقفها.(13)
واستنادا لتقارير سنوية عددية لـ”منظمة الشفافية الدولية” فان هذه الهيئات المرتبطة مباشرة برؤساء الاحزاب والقادة السياسيين تمارس اساليب فرض الآتوات وأخذ الرشاوي والإبتزاز بطرق مختلفة بكل ما يتعلق بمنح المقاولات وارساء العطاءات مما يجبر المستثمرين العراقيين والإجانب اما على قبولهم كشركاء معها، او دفع مبالغ وافرة كرشاوي من اجل الحصول على العقود.وتشير تلك التقارير الى ان نسب عالية من مبالغ العقود تدفع غالبا كمقدمة قبل الحصول على العقود لضمان ان تكون من نصيبهم.(14)
واستنادا الى منظمة الملاحقة العالمية “تريس انترناشنال” التي ترصد لصالح الشركات الدولية مستويات دفع الرشاوي في العالم فان العراق كان عام 2017 من ضمن الدول العشرين التي تتبؤ موقعا متقدما في مؤشرها العالمي للرشاوي الى جانب دول مثل الصومال وفنزويلا واليمن وليبيا.(15)
ان اسؤ ما جاءت به الهجمة المنظمة لنهب النفط واموال المقاولات والعقود هي انها ارست القاعدة التي احتذى بها بعد ذلك كل العاملين في الحقل السياسي العام وفي الجهاز الإداري في منح انفسهم حرية التصرف بكل موارد الدولة الاخرى ونهبها، دون خشية من حسيب او رقيب.ومنذ ذلك الحين، وبعد ان اصبحت حقول النفط وخطوط نقله ومشتريات الدولة ومناقصاتها ميادين مفتوحة للنهب من قبل الزمر المتسلطة، ترسخت المعادلة التي تتحكم في إدارة الدولة في العراق، وهي متلازمة السلطة والثروة.وكانت نتيجة سيادة تلك الثنائية في إدارة الدولة وتوجيه المجتمع ان ترسخت ممارسات نهب المال العام ليس فقط كثقافة مهيمنة، وانما ايضا كنمط انتاجي.
فبعد سرقة النفط وإحتكار قطاع المقاولات كان هناك بقرة حلوب اخرى تدر من سرقة ونهب المال العام ذهبا ودولارات، وهي اراضي الدولة واملاكها، التي توجهوا اليها لحلبها والظفر بالمال الوفير كما ظفروا بالسلطة والولاية.تحفل التقارير الإخبارية والتسريبات والمناقشات الجارية على شبكات التواصل الإجتماعي بمعلومات مهولة عن الأحزاب والقيادات السياسية التي شاركت بعمليات النهب المنظمة لعقارات الدولة التي شملت القصور الرئاسية لصدام وقصور افراد عائلته وقيادات “حزب البعث” وابنية وبيوت وشقق كانت لمسؤولين بعثيين وابنية تابعة للدولة وغير ذلك من العقارات والأراضي تم بيعها لسكانيها من المسؤولين الجدد الذين استولوا عليها باسعار صورية.غير ان من الصعب تماما حصر اعداد هذه العقارات وقطع الأراضي المنهوبة وتحديد قيمتها المالية بشكل دقيق وكامل بسبب عدم قيام الحكومات المتعاقبة باحصاء وجرد وتسجيل هذه الإنتهاكات التي ظلت مستمرة طيلة هذه الفترة.غير ان توفير الفرصة للباحثيين والمحققين للإطلاع على وثائق “الأمانة العامة لمجلس الوزراء” و”دائرة عقارات الدولة” و”هيئة نزاعات الملكية العقارية” سيكشف للعراقيين الكنوز الثمينة التي سرقها هؤلاء.(16)
وكما حصل دائما في “دولة علي بابا” فالطمع والرغبة الجامحة بالاستيلاء على الأموال العامة لدى الكبار الذين في السلطة انتقل الى الآخرين من كوادر الجماعات السياسية والمليشيات والى ازلامهم واعوانهم الذين بادروا بالإستيلاء على عقارات واراض مملوكة لمواطنين اضطرتهم الظروف الأمنية لمغادرة البلاد وترك بيوتهم اما فارغة، او مؤمنة، لدى آخرين.وخلال هذه السنوات تم تسجيل عشرات اللآلاف من عقارات الغائبين، وخاصة المسيحيين، بشكل غير قانوني في دوائر التسجيل العقاري في اكبر عملية فساد شهدتها هذه الدوائر في تاريخ العراق الحديث.(17)
ما ادت اليه هذه الظاهرة البشعة هو ان المواطن العراقي فقد الثقة تماما في هذه الدوائر وغيرها التي أأتمنها على ثرواته، والتي من واجبها توثيق العقود والإتفاقيات، كما اشاعت مناخا من الخوف لدى كل المالكين من ان تكون املاكهم معرضة للسرقة والاستحواذ، وقيام السراق ببيعها، او تسجيلها، دون علم منهم، وبذلك اصبح العراق غابة من الوحوش الضواري التي لا يأتمن فيها الانسان احدا على مسكنه، ومستقبل اسرته، وحياته.
ومن ابشع ما انتجته سياسات نهب وإنتهاك أراضي الدولة التي وصلت الى ظاهرة اجتاحت المدن العراقية كافة هي إتساع حجم المناطق العشوائية التي سادت بشكل تجاوز كل صورة يمكن تخيلها حتى في ظروف فوضى مشابهة في بلدان اخرى.ففي اول زيارة لي لبغداد بعد عام من الغزو شاهدت بأم عيني بيوتا متواضعة قد اقيمت على حرم الطرق والشوارع الرئيسية العريضة في مناطق “قناة الجيش” و”البنوك” و”حي آور” امام المنازل الأصلية، وبشكل قبيح يتعارض مع التخطيط العمراني لتلك الأحياء.حين استفسرت عن كيفية حصول ذلك فوجئت بان المتجاوزين قد حصلوا على مباركة من شيخ المسجد او الحسينية التي في المنطقة دون حاجة لإجازة، او رخصة بناء رسمية.ومن البديهي ان البناء العشوائي على اراضي الدولة كان يهدف الى خلق أمر واقع يمهد لوضع اليد والإستيلاء على تلك المساحات بهدف تحويلها لاحقا الى ملكيات خاصة حسب قوانين او اعراف الحيازة بالتقادم، بالرغم من ان تلك الأراضي تبقى من أموال الدولة المخصصة للمنافع العامة التي لا تتوفر الشروط القانونية او الشرعية للتصرف بها كملكية خاصة.ومع ذلك فقد بلغت اعداد الأحياء العشوائية في عام 2016 نحو 4000 حي، عدا إقليم كردستان، تضم حوالي 522.000 مسكنا عشوائيا يأوي نحو ثلاثة ملايين و300 الف نسمة ويشكلون حوالي 13 بالمائة من مجموع سكان العراق. (18)
من الوسائل الاخرى التي شرعتها سلطة “دولة علي بابا” لنهب الدولارات المتأتية من موارد النفط هي نظام مزاد العملة الذي بموجبه يقوم “البنك المركزي العراقي” ببيع الدولارات الى المصارف وشركات الصرافة بطريقة العرض بالمزاد وهي وسيلة كان هدفها المعلن من سلطات الإحتلال هو توفير العملة الصعبة لأغراض الإستيراد للقطاع الخاص، وللسياحة الخارجية، ولتلبية حاجات ضرورية اخرى.ووفقا لشهادة احد أبرز رموز المرحلة ووزير المالية في اول حكومة بعد الغزو “احمد الجلبي” فان مزادات العملة كانت تستنزف نسبة كبيرة من الإحتياطي النقدي العراقي حتى انها بلغت عام 2015 اكثر من مائة بالمئة مما دخل البنك المركزي من دولارات من بيع النفط ذلك العام.(19).
وخلال عقد ونصف ظلت هذه الدولارات تذهب الى بنوك وشركات صيرفة يمتلك معظمها اعضاء الطبقة السياسية الطفيلية، او حلفاؤهم وشركاؤهم، ممن هيمنوا على مفاصل الإقتصاد وقطاع المال.ولم يقتصر الأمر على شفط المليارات والتحكم بسوق العملة الصعبة، بل وايضا استخدام القنوات التي وفرتها هذه البنوك في عمليات تهريب وتبيض الأموال.وتوفر المعلومات المتداولة اعلاميا عن “مصرف الهدى” وهي احدى المؤسسات التي اتهمت بالضلوع في مثل هذه العمليات مثالا واحدا فقط عن العلاقة الاجرامية التي ربطت بين احزاب السلطة ومسؤولي البنك المركزي واصحاب المصارف الخاصة والتي الحقت اضرارا هائلة بالاقتصاد العراقي وخاصة اسعار صرف العملة الإجنبية وتأثرات ذلك على دخول المواطنين ومستواهم المعاشي الذي ظل يتدنى بإستمرار.(20)
ولم تكتف عصابات الحكم بما سلبته من اموال متأتية من موارد الدولة خلال سنوات هيمنتها على السلطة بل حاولت بشتى الطرق ان تستنزف الموارد المستقبيلة التي هي من نصيب الأجيال العراقية القادمة.ففي خلال ولايته الثانية اصر “نوري المالكي” على تمرير تشريع ما اسماه “قانون الدفع الآجل”، وهو تشريع كان سيسمح بالإتفاق مع جهات إستثمارية أجنبية ومحلية على القيام ببناء مشاريع بطريقة الدفع الآجل، اي ان تتحمل الخزينة العامة الدفع مستقبلا، في حين تذهب تلك المشاريع الى اصحاب السلطة والثروة من نفس الطبقة الحاكمة وحلفائها وزبانيتها.(21)
وفي حين فشل امرار مشروع ذلك القانون نظرا للصراعات التي فجرها داخل البرلمان بين القوى التي اختلفت حول حصصها المتوقعة من برامج الإستثمارات، فان محاولات عديدة جرت بعد ذلك كانت ايضا ترمي الى رهن الموارد المستقبلية للعراق بمشاريع يجري تمويلها من المال العام تذهب الى جيوب الطبقة المتنفذة ومنها المشروع الذي طرحه المستشار الاقتصادي للحكومة “مظهر محمد صالح” والذي يقترح فيه ان يقوم البنك المركزي بإقراض خمسة ترليونات دينار الى مستثمرين لتنشيط الإستثمار في وقت كان البنك المركزي قد استنزف معظم رصيده من الاحتياطي النقدي بسبب العجز في الموازنة والفساد وحين كانت الخزينة على شفى الإفلاس.(22)
خلال السنوات الأولى لتولي الأحزاب والجماعات الاسلامية السلطة كان التركيز في مسعى الحصول على الأموال من خلال المصادر المباشرة التي تمت الإشارة اليها، وخاصة النفط، والمقاولات، والأراضي، والعقارات.ولكن مع ازدياد عدد هذه الأحزاب وتفريخها لقيادات محلية وكوادر واعضاء واشتداد عضد الفروع المسلحة، او المليشيات، التابعة لها والمنافسة الشديدة على جني الأرباح والمكاسب، فقد اتسعت مصادر الحصول على الأموال كما تنوعت طرق الوصول اليها واحتلت الضرائب والكمارك مكانا مهما في الجبايات لدى إمبراطورية الفساد البازغة في العراق.
كانت سلطة الإحتلال بقيادة “بول بريمر” قد الغت، او علقت، الكثير من الضرائب والرسوم والكمارك المفروضة من قبل الحكومات المتعاقبة في العراق في إطار ما اسمته بسياسات الإصلاح والإنفتاح على الأسواق العالمية وجذب الإستثمارات.ووفقا لقرار سلطة الائتلاف رقم 37 الصادر في 16 نيسان (ابريل) 2003 فقد تم ايقاف العمل بجباية الضرائب على الدخل والضرائب العقارية وضرائب عديدة اخرى حتى نهاية العام. اما القرار 49 فقد سمح بتخفيض الضرائب على الشركات من 40 بالمائة الى 15 بالمائة في حين ان الشركات العاملة مع السلطة تم اعفاءها نهائيا من اية ضراب.(23)
عمليا، ظلت عمليات تحصيل وجباية الضرائب والكمارك متوقفة لفترة طويلة، الا ان الأزمات المالية التي عصفت بالحكومة بسبب تدهور اسعار النفط، وزيادة أعباء القوات الأمنية في حربها ضد الإرهاب، وتفشي الفساد اضطرت الحكومة الى اعادة العمل بفرض الضرائب والرسوم الكمركية بهدف تحقيق موارد اضافية للميزانية التي اصحبت تعاني من العجز الشديد بعد الهبوط الكبير باسعار النفط عام 2014 وزيادة تكاليف العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب.ونتيجة للسياسة المالية الجديدة التي اصر عليها “صندوق النقد الدولي” كجزء من برنامجه دعمه والتي تقوم على خفض الإنفاق الاداري والاستثماري، واجراءات التقشف الاخرى، فقد حققت الخزينة ايرادات بلغت اكثر من ترليونين دينار، او نحو ملياريين دولار امريكي عام 2016، وهو ما اعتبر على الرغم من تواضعه، المصدر الثاني للايرادات بعد النفط.(24)
تفصح مسألة الضرائب ليس فقط عن الإعتماد المفرط لزمر الحكم الجديدة على الموارد الريعية، بل ايضا عن مساهمتها في خلق المزيد من التشوهات في الإقتصاد العراقي وفي قطاعاته المالية.فبعد نحو 14 عاما من وصول هذه الجماعات الى السلطة فانها لم تعجز فقط عن تطوير نظام ضريبي يخدم العملية التنموية متجاوزا الإقتصاد الريعي الذي ترتكن اليه ويتعدى بحصيلته التي لم تمثل عام 2015 سوى 1 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي، بل انها ساعدت بالممارسات التي لجأت اليها الى تحويل هذه النظام الضريبي الى عبء على المواطن وعلى الإقتصاد برمته.وفي تقرير بالغ الاهمية كشف خبراء ان معظم المبالغ التي تم جبايتها والتي اشير اليها سلفا جاءت اما من ضرائب مفروضة على شركات النفط، او شركات التلفون المحمول، ولم تأتي من نشاط صناعي، او زراعي، او خدمي منتج.اما بقية الضرائب فراحت ضحية اهمال الجماعات الحاكمة بالعناية بهذا المورد حتى ان المستشار الاقتصادي للحكومة “مظهر محد صالح” اقر بان الدولة لا تمتلك قاعدة بيانات بالأفراد والهيئات المشمولة بالضرائب.وبطبيعة الحال فان ذلك يعني ان ليس لديها اية معلومات عن الجهات الممتنعة، او المتلكئة، ولا اية بيانات بشأن نشاطاتهم الخاضعة للضريبة كي تستطيع كشفهم ومحاسبتهم. (25)
ما تبقى من نشاطات يشملها النظام الضريبي كضريبة الدخل على الشركات والأفراد والضرائب العقارية وضرائب ورسوم البلديات فقد دخلت دائرة الفساد من اوسع ابوابه بعد خضعت لآليات إدارة الحكم في “دولة علي بابا” من محاصصة وسؤ إدارة، وإنعدام كفاءة، وتسيب، وتوزيع أدوار وانعدام المحاسبة والرقابة والشفافية.ان محصلة كل ذلك هي تحول دوائر الضريبة الى مرتع للتلاعب والرشاوي والإختلاس والتزوير في حين غابت القوانين وإحترام المال العام والانصاف، وحل محل ذلك الجشع والابتزاز والعشوائية والمزاجية والتحكم الذي تمتاز به اي ادارة بيروقراطية.(26)
ان التقارير المختلفة الصادرة من لجان النزاهة والمالية في البرلمان وجهات رقابية اخرى في هذه الفترة ظلت تشير الى ان الفساد المستشري في أجهزة تحصيل الضرائب ادى الى هدر الكثير من الأموال، حيث اصبح التلاعب والتهرب والحصول على الرشاوي من سمات العمل في هذه المكاتب بسبب ضعف الاجراءات الادارية والرقابية المتبعة.وبدلا من تصبح الضرائب مصدرا من مصادر تمويل الخزينة العامة واغناء موارد الدولة فقد تحولت الى مصدر اثراء للمتسلطين على دوائر الضرائب وللأحزاب والجماعات السياسية التي جاءت بهم الى مكاتبهم.
وتمثل شركات التليفون المحمول احدى ابرز الامثلة على حالات التهرب الضريبي خلال تلك الفترة والتي ادت الى خسائر فادحة بسبب الامتناع عن الدفع لسنوات طويلة والنزاعات القانونية التي اضطرت هيئة الضرائب الى خوضها في النهاية بعد انتشار اخبار الفضائح المتعلقة بها.ومع ذلك وبالرغم من ان شركات المحمول تمثل اكبر المؤسسات التجارية الربحية في العراق والتي بلغت مكاسبها بلايين الدولارات فانها لم تدفع الا مبالغ ضئيلة لم يتم الكشف عنها بشكل رسمي وعلني وشفاف مما افقد الخزانة العراقية حصيلة مهمة من الضرائب.(27)
ونتجية لكل ذلك، فان من ظل يدفع فاتورة الفساد في دوائر الضرائب هم المواطنون العراقيون العاديون الذين تجبرهم السلطة الغاشمة التي بيد الزمر الحاكمة واعوانها على دفع الرشاوي والآتوات بغية قضاء اعمالهم وانجاز معاملاتهم في هذه الدوائر في حين ظلت الطبقة السياسية الحاكمة وحلفاؤها من الطبقات الطفيلية المنتفعة في منأى عن دفع الضرائب والرسوم.
وتمثل حالة الكمارك جانبا آخر من قصة الفساد الأليمة في الجهاز الحكومي وفي حكاية ضياع واستنزاف موارد الدولة المالية من قبل عصابات الحكم المتصارعة.فكما حصل الامر في دوائر الضرائب تحولت “الهيئة العامة للكمارك والمنافذ الحدودية” العراقية الى اوكار للفساد ضيعت اداراتها بلايين الدولارات على خزينة الدولة والتي راحت الى جيوب المديرين والموظفين والى خزائن الاحزاب والجماعات السياسية التي عينتهم في تلك الاماكن.(28)
تبدأ قضية الفساد في الكمارك من كردستان وقبل سنين من الغزو حيث هيمنت الأحزاب الكردية على المنطقة اثر انسحاب الإدارة العراقية في ظل نظام صدام عام 1991 وسيطرتها على المعابر التي تربط العراق في حدوده الشمالية مع كل من تركيا وايران.غير ان هذه المعابر ووارداتها ظلت تحت سيطرة الأحزاب الكردية بعد الاحتلال وايضا في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة على الرغم من ان الدستور الذي نص على ان “رسم السياسة الكمركية” هي من سلطات الحكومة الاتحادية وانها تقوم بادارة هذه الكمارك بالتنسيق مع الحكومات المحلية.(29)
ما حصل عل ارض الواقع هو ان هذه المعابر الحدودية ظلت تحت سيطرة الأحزاب الكردية طيلة الفترة اللاحقة والتي انفردت بالحصول على مواردها والتي تبلغ مليارات الدولارات دون اية رقابة، او اشراف، من قبل حكومة بغداد الأمر الذي شجع الأطراف السياسية والمليشيات التي تهيمن على المناطق والمحاظات الجنوبية والوسطى الى اللجؤ الى السيطرة على المعابر الحدودية والموانئ والمطارات في مناطقها لضمها الى امبراطوريتها المالية المتنامية عبر هيمنة اعوانها عليها.
ما نتج عن هذه الهيمنة هو ان الفساد في الكمارك والرشاوي في إدارة المعابر اصبح ظاهرة مفزعة، ليس فقط من ناحية نهب الموارد المالية التي تجبيها، وانما من النواحي الأمنية والصحية والبيئية التي اضحت عرضة لتأثيرات الفساد.فالفساد هنا لا يعني ضياع أموال الكمارك في بلد يستورد كل احتياجاته من الخارج، وانما ايضا عبور الممنوعات كالمخدرات، وغيرها، وادخال مواد وسلع لا تتطابق مواصفاتها مع المعايير المطلوبة، او مواد ممنوعة او مضرة بالبيئة وبصحة الانسان.(30)
مرات عديدة اشتكى اعضاء البرلمان من الحالة المزرية في دوائر الكمارك نتيجة الفساد “غير الطبيعيّ” المستشري بين منتسبيها اضافة الى انعدام الإدارة السليمة والتنظيم والكفاءة والشفافية في عملهم حتى ان من بين الأوصاف التي طالت الفاسدين في الكمارك هي انها اصبحت مافيات اشد خطرا من الإرهاب.(31)
في احد التقارير الصحفية الموثقة عن الفساد في قطاع الكمارك نقل موقع “المونتر” عن تاجر للمواد الغذائية في بغداد يدعى “علاء مطر” قوله ان المسؤولين عن المنافذ الحدودية والكمارك يعرقلون إنجاز المعاملات لمدة قد تصل إلى شهر لكن هذه المدة قد تختصر الى ايام اذا ما قام المستوردون بالإتفاق مع وسطاء يتعاملون مع دوائر الكمارك.واضاف مطر ان تكلفة هذه الوساطة عادة هي بحدود مبلغ مليون دينار (766 دولارا) عن كل معاملة.واورد مطر امثلة اخرى عن الفساد من بينها قيام الموظفين بتغير صنف البضاعة كي يتم تخفيض مبلغ الضريبة الكمركية مقابل رشى باهظة.اما عضو البرلمان “هيثم الجبوري” الذي قاد حملة على الفساد في الكمارك فقد ذكر في احد تصريحاته ان الخزينة تفقد نحو 10-12 مليار دولار سنويا بسبب الفساد في هذه الدوائر.(32)
وفي بدعة لا يجدها المرء مثيل لها الا في الدول المنهارة التي تتحكم بها المليشيات والعصابات المسلحة فقد انتشرت على طول الأراضي العراقية وعرضها ظاهرة السيطرات المقامة على الطرق الخارجية التي تفرض آتوات على سيارات النقل المحملة بالبضائع والقادمة من المنافذ الحدودية المختلفة.وبناء على شهادات لا حصر لها نشرتها وسائل الاعلام العراقية وتناولتها شبكات التواصل فان سيطرات وضعت في مداخل بغداد كانت تتقاضى مبالغ تصل الى ألف دولار او اكثر عن كل شاحنة، أو حاوية، تدخل من خلالها الى العاصمة.(33)
اضافة الى استنزاف ونهب المال العام فان نتائج كل هذا الفساد في الكمارك كانت تحميل المستهلك قيمة الآتوات والرشى المدفوعة مما يؤدي الى رفع الأسعار وزيادة التضخم واثقال كاهل المواطن البسيط بالمزيد من الأعباء الحياتية اضافة الى امكانية عبور مواد فاسدة، او منتهية الصلاحية، او غير مطابقة للمواصفات الصحية او الاستهلاكية، وهي الظاهرة التي ظلت تجتاح السوق العراقية خلال كل هذه السنوات والتي كانت لها نتائج كارثية على صحة الانسان العراقي وبيئته.
وتمثل حزمة القوانين والإجراءات التي اتخذتها الجماعات الحاكمة منذ تسلمها للسلطة بحجة مكافئة انصارها احدى اهم ابواب الفساد التي فتحت على مصراعيها والتي تم من خلالها نهب اموال وثروات العراق اما من خلال سياسات التوظيف العشوائي او صرف الرواتب التقاعدية تحت ذرائع ما سمي بالخدمة الجهادية والتعويضات عن معانات الماضي والتي كانت اكثرها ارتباطا بمفهومي المظلومية ووراثة دولة صدام اللذين شكلت احدى ابرز قنوات الفساد في نظام الحكم الجديد.
في 6 آب 2017 اعلن مكتب “حيدر العبادي” ان مجموع من يتلقون رواتب من الدولة بلغ نحو 7 مليون شخص، اي ما يعادل ربع سكان العراق تقريبا والبالغ عددهم عام 2016 وفق تقديرات وزارة التخطيط نحو 37 مليون نسمة في حين تصل المبالغ التي يتقاضونها الى حوالي أربعة تريليونات دينار شهريا ( حوالي 3.5 مليار دولار شهريا).ولان اعلانات وتصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة التخطيط كانت قد ذكرت ان عدد موظفي الدولة بلغ عام 2016 نحو ستة ملايين موظف فمن غير الواضح ان كانت الأعداد التي ذكرها مكتب العبادي تشمل عدد المتقاعدين الذي بلغ نحو 2.300.000 متقاعدا من مختلف الفئات في حين لا يعرف على وجه التحديد عدد من هو مسجل في سجلات شبكة الحماية الإجتماعية التي اصبحت بحد ذاتها احدى ابرز قنوات الفساد وسرقة المال العام.(34)
كان عدد الموظفين في الدولة في عهد النظام السابق بموجب ارقام نشرتها سلطة الإحتلال بعد قيامها باعادة تنظيم الجهاز الإداري قد وصل الى حوالي مليون موظف مدني، بينما بلغ عدد المتقاعدين بحدود 600.000 متقاعد.اما كيف وصل عدد الذين يستلمون الرواتب الشهرية من خزينة الدولة الى نحو ربع عدد السكان، اعداد كبيرة منهم دون وجه حق، فهو نتيجة الإستخفاف بموارد الدولة وسؤ الإدارة اللذان هما بالتأكيد الوجه الآخر للفساد.كما كان متوقعا فقد ادى حل الجيش والمؤسسات الامنية وبعض الوزارات التي كانت قائمة في عهد صدام وكذلك سياسات اجتثاث البعث الى تسريح نحو نصف مليون عراقي من الذين كانوا يعتمدون في حياتهم المعاشية على مرتباتهم الحكومية.مقابل ذلك تمت اكبر حركة تعينات في الجهاز الحكومي والقوات الامنية في تاريخ العراق حيث وظف الملايين في تعينات تحكمت بها الأحزاب التي جاء بها الإحتلال الى السلطة على اساس الولاءات التي اظهرها لها طالبوا الوظائف بطريقة شبيهة بالتي كان يتبعها نظام صدام من خلال اجبار الناس على الإنظمام لحزبه مقابل الحصول على وظيفة.(35)
وفي ترسيخ لنهج اللصوصية والنهم والتوحش في نهب المال العام شرع الحكام الجدد لإنفسهم قوانين للرواتب والحوافز بشكل فاق كل تصور، او حدود للخيال.ففي الوقت الذي خصصت فيه مبالغ باهظة من موازنة الحرب لأعضاء “مجلس الحكم الإنتقالي”، وهو اول هيئة عراقية يشكلها الإحتلال الأمريكي لإعانته بإدارة الدولة، دون اية ضوابط او سجلات موثقة، فان “الجمعية الوطنية” التي تم تشكيلها في مابعد اقرت رواتب خيالية لأعضائها واعضاء الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها لإدارة الفترة الإنتقالية.فمثلا تم تحديد راتب شهري لأول رئيس جمهورية مؤقت، وهو “غازي عجيل الياور” بـ 100 مليون دينار في حين حدد مبلغ 70 مليون دينار كراتب شهري لرئيس “الجمعية الوطني” “حاجم الحسني”.وقياسا على هذا السلم من الرواتب فقد منح “جلال الطالباني” وهو اول رئيس منتخب مبلغ 85 مليون دينار كراتب شهري خلال المدتين اللتين قضاهما، اي ثماني سنوات، هذا طبعا غير المخصصات والإمتيازات الاخرى.(36)
وفي ذروة الإحتجاحات التي جرت ضد الفساد اضطرت حكومة العبادي في ايلول (سبتمبر) 2015 ان تصدر قرارا بتخفيض الرواتب التي يتسلمها اصحاب المناصب العليا من رئيس الجمهورية حتى وكلاء الوزرات والمستشارين وحددت لهم رواتب تقل قليلا عما كانوا يتقاضونه كما قنن القرار الرواتب والرواتب التقاعدية لأعضاء البرلمان.ومع ان الجهات المعنية لم تلتزم بتلك القرارات بشكل حرفي، او تم الإلتفاف عليها، بطرق اخرى فان مجلس النواب عاد في شهر تموز(يوليو) 2017 ليصدر قرارا بإعادة العمل بالرواتب السابقة معتبرا ان اي قرار يصدر عن المجلس هو بمثابة قانون يعلو على اي قرار يصدره مجلس الوزراء وهو انتهاك سافر للدستور وللصلاحيات المنوطة بالمجلس من ناحية، اضافة لكونه تحد وقح للارادة الشعبية المعارضة للرواتب الخيالية والتي عبرت عنها حركات الإحتجاج، من ناحية ثانية.(37)
ومن ابرز الوسائل التي ابتكرتها الجماعات المتسلطة على الحكم في هذا المجال هي اللجؤ الى توزيع الهبات الباذخة على شكل رواتب وامتيازات واراضي على انصارها، او بهدف إستمالة وكسب قطاعات من المجتمع الشيعي بالذات.فبعد إستلامهم للسلطة شرعت الأحزاب بإصدار قوانين شكلت بموجبها مؤسسات كان ظاهرها هو معالجة مظالم النظام السابق وتعويض ضحاياه، الا ان الوقائع التي سجلت في مابعد أكدت ان هيئات مثل “مؤسسة السجناء السياسيين” و”مؤسسة الشهداء” اصبحتا من الواجهات التي تستخدمها الجماعات الحاكمة لنهب المزيد من الأموال العامة، ولتوزيع الهبات على انصارها دون اي وجه حق.
وتؤكد وثائق وشهادات وبيانات لاحصر لها ان عشرات الآلاف من الأشخاص والعوائل قد تمكنت من الحصول على رواتب تقاعدية عالية من هاتين المؤسستين بمجرد تقديمهم اوراقا تصدرها احزاب السلطة تدعي فيها مشاركة المعنيين في مادرجت على تسميته الاحزاب بالعمل الجهادي ضد النظام السابق.وبالرغم من ان مبدأ تعويض الضحايا، او جبر الضرر من ممارسات الأنظمة القمعية مقبول في اطار القانون الإنساني وكجزء من عملية المصالحة الوطنية، الا ان القوانين التي شرعتها الجماعات الحاكمة فصلت تفصيلا لكي تشمل انصارها فقط دون الآخرين من العراقيين الذين شاركوا في معارضة ومقاومة نظام “صدام حسين”.فوفقا لقانون “مؤسسة السجناء السياسيين” فان بإمكان اي “مجاهد” من احزابهم قد قضى معظم سنين حياته في الخارج، واعتقل، او احتجز هناك لسبب ما سيحصل على راتب تقاعدي كبير، اضافة الى راتبه ان كان موظفا، لو كان قد قضى فترة قد تكون اقل من شهرين في السجن او الحجز، في حين ان معارضا آخر لصدام تم اعدامه بسبب معارضته لنظامه لن تتقاضى اسرته اي راتب تقاعدي اذا كان المعدوم منتسبا لبعض اجهزة النظام القديم وقت اعدامه، وهي حجة استخدمت ايضا بمعايير إزدواجية من قبل اهل الحكم.(38)
وفي خطوة اثارت الكثير من الإنتقادات تم اضافت شريحة جديدة من المنتفعين بالمال العام بنفس اسلوب شفط ما يمكن شفطه من أموال الدولة قبل ان يتم تركها تغرق في لجج الفساد والإرهاب وسؤ الإدارة.فقد عدلت الاحزاب الحاكمة عام 2013 قانون “مؤسسة السجناء السياسيين” لكي يشمل من يدعون باللاجئين العراقيين في “معسكر رفحة” السعودي.وتعود حكاية هذه الفئة الى عام 1991 حيث هرب اعداد من العراقيين بعد قمع نظام صدام للإنتفاضة الشعبية الى جبهة جيوش الحلفاء في حرب تحرير الكويت مما ادى الى نقلهم الى معسكرات في منطقة “رفحة” السعودية.وفي السنوات اللاحقة تم نقل معظم هؤلاء وتوطينهم في الولايات المتحدة والبلدان الغربية الاخرى في حين ان اعدادا كبيرة منهم عادت الى العراق بعد اصدار عفو من قبل نظام صدام وعاشت حياة طبيعية في عهده.لكن وفقا لهذا القانون فقد تم اعتبار الآلاف ممن ادعى انهم كانوا في رفحة من السجناء السياسيين وشملوا بالإمتيازات والرواتب الخيالية مع ان اغلبهم كانوا لا يزالون يعيشون في امريكا والغرب، ولا يفكرون ابدا بالعودة للعراق، ولكنهم يرحبون بالأموال التي تأتيهم دون ان يكونوا قد جدوا في تحصليها من خلال اي عمل او وظيفة.
وفي خضم الجدل حول القانون الذي اعتبره كثيرون مجحفا ومجرد اداة لسرقة أموال الدولة اتضح وفقا لتصريحات “محمد شياع” رئيس “مؤسسة السجناء السياسيين” وكالة حينها ان هناك 19 الف شخص زوروا اوراقا وادعوا انهم من معتقلي رفحة بهدف الحصول على تلك الرواتب.كما كشف شياع ان ليس لدى مؤسسة السجناء اية امكانية للتأكد من كون المتقدمين هم ممن كانوا في رفحة فعلا ام لا.(39)
وساهمت القوانين التي صدرت لتعويض المتضررين من قرارات نظام صدام بمصادرة الأملاك والعقارات من المعارضين ومن تم طردهم وتسفيرهم من العراق اثناء فترة حكم البعث ميدانا خصبا للفساد المالي.فعلى مدى سنين طويلة كسب اللآلاف من الأشخاص قضايا او طلبات قدموها الى هيئة دعاوي الملكية بهدف تعويضهم عن شتى الأضرار التي الحقت بممتلكاتهم تحت ذرائع تعرضهم للإضطهاد السياسي في عهد البعث وحصلوا بموجب ذلك على ملايين الدولارات كتعويض.ولم يكن غريبا ان المئات ممن كسبوا تلك الدعاوي وحصلوا على الأموال الطائلة كانوا من الزمر التي جاء بها الاحتلال من رؤساء الأحزاب والجماعات التي تم تنصيبها في كراسي الحكم في “دولة علي بابا”.(40)
وفي خطوة لتوسيع قاعدة “دولة علي بابا” الإجتماعية ومشاركة اكبر عدد ممن انظم الى مغارة لصوص هذه الدولة فقد تم توزع قطع اراضي وبيوت وشقق على عشرات الآلاف من الأعوان والمحاسيب بدون بدل او ببدل رمزي.ففي بغداد قامت المحافظة بمنح قطع اراضي في افضل الأماكن من احياء العاصمة الى قادة سياسيين ووزراء وسفراء ومدراء عامين وغيرهم من اصحاب المناصب كانت تبلغ اثماتها في بعض الأحيان مبالغ خيالية.ولم يقتصر كرم دولة اللصوص على ذلك فقد تم توزيع الآلاف من الشقق المملوكة للدولة على الأنصار والأزلام كان بعضهم قد حصل على عقارات، او قطع اراضي عديدة غيرها، ايضا.وفي الوقت الذي استطاع فيه هؤلاء تكديس ثروات طائلة فقد ادت المتاجرة بهذه الأراضي والعقارات الى ارتفاع هائل في الأسعار في سوق العقارات، والى تفاقم الأزمة السكنية وحرمان الملايين من العراقيين من السكن الملائم، بل حصولهم على اي نوع من السكن الأدمي، بدل اكواخ الصفيح والكارتون التي سكنوها.(41)
وكما هو متوقع فقد فتحت الهجمة على عقارات الدولة وارضيها شهية الجماعات السياسية على التمادي في اغتصاب عقارات المواطنين واملاكهم، فتم الإستيلاء على بيوت واملاك الغائبين والمهجرين وتحويلها الى مقرات وابنية سكنية لها، او تم المتاجرة بها وبيعها بصورة غير قانونية ومن خلال تزوير الأوراق ومستندات الملكية.وفي واحدة من التصريحات الرسمية النادرة كشف “سعد المطلبي” العضو في اللجنة الأمنية في محافظ بغداد بان جماعات مسلحة تابعة لجهات سياسية هي المسؤولة عن عمليات وضع اليد على املاك الناس وبيوتهم وان اي حل لتلك المشكلة يتطلب اتفاقا سياسيا بين الجماعات الحاكمة في ممارسة لصوصية سافرة تكشف الى مدى وصل الانحدار الاخلاقي بـ”دولة علي بابا”.(42)
وتشكل منظومة رواتب الرعاية الاجتماعية وجها آخر من اوجه الفساد الكبرى في عراق “دولة علي بابا” حيث فتحت “شبكة الحماية الاجتماعية” التي كان هدفها مساعدة العوائل المعوزة على مواجهة اعباء الحياة قنواتا اضافية للفساد ونهب المال نهل منها مئات الآلاف ممن حصولوا على تأشيرات مباركة من الجماعات الحاكمة.كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قد بدأت نهاية عام 2005 بتطبيق برنامج “شبكة الحماية الاجتماعية”، الذي يمنح إعانات مالية يتراوح مقدارها بين 50 إلى 150 ألف دينار شهرياً كاعانات لشرائح من الفقراء وذوي الحاجة في المجتمع، كالعجزة والأرامل والأيتام والمطلقات والعاطلين.لكن ما حصل بعد ان هذا البرنامج تم استغلاله ابشع إستغلال تمكن من خلاله الآلاف من الموظفين والمتقاعدين الذين يحصلون على رواتب مجزية، او حتى من العاملين في القطعات الحرة، من الحصول على هذه الإعانات وبشكل ثابت.وخلال فترة قصيرة تحولت الشبكة الى برنامج عشوائي يسمح لكل من يمتلك النفوذ والواسطات، او يدفع الرشاوي لكي يحصل على راتب منتظم.كان منظر الآلاف من المستفيدين ممن يأتون لاستلام المعونة وهم ينزلون من سياراتهم الفارهة، او يرتدون اغلى الثياب، لكي يقفوا الى جوار الفقراء والمحتاجين مثيرا للتقزز والاشمئزاز لما وصلت اليه حالة السقوط الاخلاقي التي خلقتها دولة علي بابا.
في 29 اذار (مارس) 2015 اعلنت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان عن ارجاع مبلغ 15 مليار دينار للموازنة العراقية بعد كشف عدد كبير من الأسماء المتجاوزة على قانون “شبكة الحماية الاجتماعية”، فيما طالبت بقية الوزارات الاخرى بتزويدها بقاعدة بيانات حول منتسبيها لأجل مطابقتها مع بيانات “شبكة الحماية الاحتماعية”.ودعت اللجنة الى مقارنة قاعدة بيانات الشبكة مع قاعدة بيانات دوائر المرور ودوائر الضريبة ومكاتب التسجيل العقاري من اجل الكشف عمن لا يستحق الإعانة الاجتماعية حقا.(43)
وبعد ذلك بثلاثة اشهر وفي 22 حزيران 2015 كشف وزير الشؤون الاجتماعية “محمد شياع السوداني” عن المزيد من المعلومات عن الاحتيال للحصول على اموال الشبكة من بينها ان عدد المتجاوزين بلغ نحو 22 ألف متجاوز لافتا الى ان المبالغ التي كانوا يتقاضونها دون مسوغ قانوني كانت بحدود 23 مليار دينار سنويا. (44)
وفتح هذا النوع من الفساد شهية العديد من غير العراقيين لكي يحاولوا ان يغرفوا من اموال العراق المستباحة وذلك من خلال الإنظمام الى اولئك الذين تمكنوا من الحصول على مغانم رواتب الرعاية الاجتماعية مثلما تمكنوا قبلها من الحصول على الرواتب التقاعدية تحت مسمى الخدمات الجهادية والمظلومية.كان كل ما يتطلبه الامر هو تزوير وثائق الجنسية العراقية وبعض الأوراق الاخرى والتقدم بها مع التزكية من الجماعات الحاكمة لكي تصرف لهم رواتب تبلغ اكثر من الف دولار شهريا لكل شخص.وفي ظل هذه الفوضى التي اججتها تشريعات واجراءات لتقنين رواتب لا تستند الى حقوق وظيفية او اجتماعية فقد جرت عمليات سرقة منظمة من خلال دس اعداد هائلة من اسماء متقاعدين وهمين لكي تحول باسمائهم ملايين الدولارات كرواتب تقاعدية دون اي وجه حق.بل ان نائبا مدانا بالفساد جرى تبرأته بصفقة مع المالكي وهو “مشعان الجبوري” تجرأ على الكشف ان هناك 23 الف “متقاعد فضائي” اي من الأسماء المسجلة لدى هيئة التقاعد والتي تستلم رواتبها التقاعدية البالغة مليار دولار سنويا لكنها غير موجودة فعلا على ارض الواقع، وهي عملية شيطانية لا اعتقد ان اي جهاز فاسد في اي دولة من دول العالم تجرأ على القيام بها.(45)
وفي حين تشكل كل الطرق السالفة وسائل لجأت اليها عصابات السلطة للاستيلاء على الثروة الوطنية، والأموال العامة، وتحويل جزء منها الى هبات ومكرمات ورشى لصناعة اتباع وانصار، فانها كانت الأدوات التي استكملت بها تلك الزمر تعميق الشرخ الوطني والعصبيات الطائفية بسبب توفيرها الفرص لإغتناء مجموعات وشرائح من مكون معين على حساب حرمان شرائح من مكونات اخرى.وبعبارة اكثر وضوحا فان معظم من تمكنت اياديهم من نهب الثروات والأموال العامة واكثر من استفاد من المزايا والهبات كالرواتب المجزية كانوا من الشيعة الذين اعتبروهم من المجاهدين ضد نظام صدام، في حين حرم السنة الذين اعتبروا من ازلامه ومؤيديه.بل ان ذلك الحرمان من الحقوق طال كل شيعي معارض لصدام رفض ان يلتحق بقطار “دولة علي بابا” وينظم الى دولتهم او يسبح بحمدهم.وبلا شك فان هذا الحرمان وعدم الإنصاف قد ولد جزءا من المرارات التي وقفت وراء اندلاع الإنتفاضة السنية والإرهاب الذي ساهم بتدمير العراق ووضعه على حافة الانهيار.
ولم تتوقف مافيات السلطة عن البحث عن اية مصادر من الأموال العامة التي يمكن ان تمتد اليها ايديها فذهبت الى خارج العراق تبحث عن الأموال العراقية التي نهبها صدام واسرته واعوانه.هناك مليارات الدولارات التي كانت قد حولت واودعت من قبل صدام ورجالات عهده في مصارف اجنبية، او في عهدة اشخاص في الخارج لم تتمكن الدولة العراقية من ارجاع اغلبها والتي اختفت بحكم تعاون مافيات ومؤسسات دولية.وحتى النزر اليسير الذي تم اعادته ذرا للرماد اختفى بدوره بعد سرقته من قبل جماعات السلطة التي تولت استلامه بطرق خارج اطار الدولة الرسمي.(46)
***
هوامش ومراجع ومصادر الفصل الأول
انظر:”حكايات خرافية تحولت، اقتباسات القرن الواحد والعشرين والسياسة”، باشيليغا، كريستينا، اصدار مطبعة جامعة واين، (بالانكليزية)، 2013
2-انظر:”رامسفيلد حول اعمال النهب في العراق:انها اشياء تحدث عادة”، موقع سي. ان. ان.، (بالانكليزية)، 12/4/2003
http://edition.cnn.com/2003/US/04/11/sprj.irq.pentagon/
انظر كذلك:”السطو على الفن المفقود: لماذ لم نحم المتحف الوطني والمكتبة (الوطنية) في بغداد؟”، موقع سليت (بالانكليزية)، 17/4/2003
http://www.slate.com/articles/arts/culturebox/2003/04/raiders_of_the_lost_art.html
3-انظر:”العراق يحتل المرتبة السادسة في عدد الاغنياء في الشرق الاوسط”، موقع السومرية، 17/9/2013
http://www.alsumaria.tv/news/82739/iraq-ranks-6th-in-terms-of-number-of-ric/en
4-انظر:”الفساد في العراق.اين ذهبت كل تلك الاموال؟ لؤي الخطيب، موقع ناشنال انتريست، (بالانكليزية)، 19/5/2016
http://nationalinterest.org/feature/corruption-iraq-where-did-all-the-money-go-16279
5-انظر:”بريطانيا والولايات المتحدة يتصارعان حول نفط العراق”، تقرير حرب العراق (شيلكوت) حول الغزو، الغاردين البريطانية، 7/7/2016
انظر ايضا:”لماذا كانت حرب العراق من اجل النفط الهائل؟، موقع سي. ان. ان. (بالانكليزية ) 15/4/2013
http://edition.cnn.com/2013/03/19/opinion/iraq-war-oil-juhasz/index.html
6 -انظر:”خبير: جميع الحقول العراقية أعطيت للشركات الاجنبية وإيران تنتج النفط داخل اراضي العراق”، موقع سكاي بريس
7-انظر:”شبهات فساد تحوم حول عقود وزارة النفط العراقيّة وشركات النفط الأجنبيّة”، موقع المونيتر،9/3/2016
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/03/iraq-oil-foreign-contracts-corruption.html
8-انظر:”700 مليون دولار شهرياً كلفة تهريب النفط العراقي”، صحيفة الاخبار، 16/9/2009
http://www.al-akhbar.com/node/154214
9-انظر:”مبادرة الشفافية تعلق عضوية العراق”، موقع اخبار الاعمال في العراق، 6/11/2017
http://www.iraq-businessnews.com/2017/11/06/transparency-initiative-suspends-iraqs-membership
10-انظر:”الموارد والصراعات، معهد ستوكهولم للسلام”،التقرير السنوي 2011
https://www.sipri.org/yearbook/2011/02
11-انظر:”داعش لازالت تسرق النفط وتقوم بتهريبه في العراق”، شبكة فوكس نيوز،11/9/2017
-انظر:”الفساد في المشتريات العامة”، موقع منظمة الشفافية الدولية،
https://www.transparency.org/topic/detail/public_procurement
13-انظر:”الياسري:اللجان الاقتصادية للاحزاب اشباح”، موقع سومر نيوز، 27/2/2017
http://sumer.news/ar/news/16899/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7
14-انظر: تقرير منظمة الشفافية الدولية في اخر نسخة منقحة في تموز 2017.
http://www.business-anti-corruption.com/country-profiles/iraq
15-انظر:مؤشر مخاطر الرشاوي العالمي، تقرير منظمة الملاحقة العالمية عام 2107
https://www.traceinternational.org/trace-matrix
16-انظر:” نائبة تعد بيع عقارات الدولة الى شاغليها من المسؤلين مكافأة، موقع ان أر تي ، 2/4/2016
http://www.nrttv.com/AR/Detail.aspx?Jimare=17347
17-انظر: “نائب مسيحي هذه الجهات الثلاث تورطت بسرقة عقارات تتبع 30 الف مسيحي بعموم العراق”، موقع بغداد اليوم، 23/8/2017
18-انظر:”وزارة التخطيط تعلن أرقامًا صادمة عن عدد المناطق العشوائية في العراق”، موقع زاوية، 22/8/2017
19-انظر:”ملفات الفساد التي كشفها الچلبي على قناة العراقية”، موقع منتديات برطلة، 26/9/ 2015
http://baretly.net/index.php?topic=51544.0
20-انظر:”تفاصيل علاقة “غامضة ومثيرة” بين حمد الموسوي ولجنة مزاد البنك المركزي”،موقع سومر نيوز، 11 /11/2015
21-انظر:”المالكي يعرض على البرلمان العراقي قانون البنى التحتية المثير للجدل”، موقع رابطة المرأة العراقية
http://iraqiwomensleague.com/news_view_13800.html#.Wa2pEPkjHIU
انظر ايضا:”لجنة الإقتصاد تتهم أطرافا برلمانية بمحاولة عرقلة إقرار قانون الدفع بالآجل لأغراض سياسية”، السومرية، 16/2/2012
http://www.alsumaria.tv/mobile/news/51878/iraq-news
22-انظر:”شبكة الاقتصاديين العراقيين، قراءة في مستقبل الاقتصاد السياسي العراقي” ، د. مظهر محمد صالح
23-انظر: قرارات سلطة الائتلاف المؤقتة
http://govinfo.library.unt.edu/cpa-iraq/regulations/20030919_CPAORD_37_Tax_Strategy_for_2003.pdf
24-انظر:”خلال عام 2016 .. ايرادات الضرائب تجاوزت الـ 2.3 ترليون دينار”، موقع الزوراء الاخباري، 24/12/2016
25-انظر:”مختصون يصفون النظام الضريبي العراقي بـ”المشوه” ويؤكدون: الحكومة تبحث عن إيرادات سهلة”، المدى، 10/11/2015
http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=59143
26-انظر: “الضرائب في العراق، لا عدالة ولا اهداف”، العربي الجديد، 26/1/2015
https://www.alaraby.co.uk/supplementeconomy/24663a66-4cae-45ef-8bdd-e06bdf678414
27-انظر:”لماذا حجزت هيئة الضرائب العراقية على أموال شركة أثير للاتصالات في المصارف؟، موقع الغد، 23/8/2016
28-انظر: “10 بالمئة فقط تذهب لخزينة الدولة.. لمن تذهب أموال المنافذ الحدودية والضرائب بالعراق؟، موقع وان نيوز، 23/7/2017
http://oneiraqnews.com/?aa=news&id22=2037#.Wh0tOoaWbIU
29-انظر/ الدستور العراقي، م 110 فقرة ثالثا و م 114 فقرة 1
http://www.cabinet.iq/PageViewer.aspx?id=2
30-انظر:”واقع النظام المصرفي في العراق”، شذى خليل، وحدة الدراسات الاقتصادية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
http://rawabetcenter.com/archives/37133
31-انظر:”نائب:فساد هيئة الكمارك أشد خطرا من داعش”، موقع اخبار العراق، 7/3/ 2017
32-انظر:”الفساد يستولي على قطاع الجمارك في العراق”، المونتر، 21/10/2016
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/10/iraq-costumes-corruption.html
انظر ايضا:” فساد كبير في الكمارك … الايرادات المتحققة مع نهاية 2017 اقل من نصف مليار دولار”، موقع بغداد نيوز، 31/12/2017
http://www.baghdadnews.info/index.php?page=article&id=29977
33-انظر:”النائب الجبوري يكشف عن فساد سيطرات مداخل بغداد بالاف الدولارات”، موقع السومرية، 28/7/2017
انظر كذلك:” نصيف تكشف عن فساد سيطرات مداخل بغداد وتطالب العبادي بفرض هيبة القانون”، موقع سكاي بريس 28/2/2017
34-انظر:”مكتب العبادي: (7 مليون) مواطن يتلقون رواتب شهرية من الدولة، عراق بريس، 6/8/2017
https://www.iraqpressagency.com/?p=250015
انظر كذلك:”ارتفاع عدد المتقاعدين في العراق إلى مليونين و350 الف متقاعد”، المستقبل نيوز، /15/3/2016
https://www.almustaqbalnews.net/227307
انظر كذلك:”كارثة العراق: ستة ملايين موظف يعملون 10 دقائق يوميا”، موقع رصيف، 18/7/2016
http://raseef22.com/economy/2015/05/01/iraqi-unemployment-crisis-public-sector/
35-انظر”الولايات المتحدة ستطرد 500.000 عراقي من الخدمة”، نيويورك تايمز،(بالانكليزية) 3/5/2003
http://articles.latimes.com/2003/jun/03/world/fg-econ3
36-انظر:نائب يكشف عن الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية والبرلمان ويصفها بالخيالية، موقع السومرية، 30/7/2015
36-انظر:”الكشف عن أعلى مرتبات لـ 10 مسؤولين عراقيين، موقع ايلاف، 1/6/2010
http://elaph.com/Web/news/2010/5/566285.html
37-انظر:”العبادي يعلن تفاصيل قرار تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات والوزراء”، موقع السومرية، 9/9/2015
وانظر:”بالوثيقة الجبوري يطلب ايقاف العمل بقرار الحكومة الخاص بإلغاء تقاعد النواب والوزراء”، موقع وكالة انباء موازين، 11/8/2017
http://www.faceiraq.net/inews.php?id=5788257
38-انظر: قانون رقم (35) لسنة 2013 قانون التعديل الاول لقانون مؤسسة الشهداء رقم 4 لسنة 2006 وما يتعلق به، موقع مدونة اياد حارس، خبير قانوني..
https://ayadalharis.wordpress.com/2014/12/25/%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%B3/
39-انظر:مؤسسة السجناء السياسيين، 19 الف مزور ضمن سجناء رفحة، السومرية، 22/1/ 2015
انظر كذلك:”الاعلامي عدنان الطائي يمسح الكاع (الارض) بالمعمم الفاسد اللص محمد الهنداوي ويفضح تشريعاته، فديو لبرنامج تلفزيوني
https://www.facebook.com/aboalkmkm/videos/2004502139783258
/
40-انظر:”الجريمة السياسية ومدى شمولها بقانون هيأة دعاوى الملكية”، وكالة الصحافة المستقلة، 26/10/2017
انظر كذلك:”السهيل تكسب قضية البغدادية وتتبرع بمبلغ التعويض للنقابة الوطنية للصحفيين،25/10/2013
http://www.alsumaria.tv/news/84952/%D8%A7%D9%84%D8%
B3%D9%87%D9%8A%D9%84-
D8%AA%D9%83%D8%B3%D8%A8-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%B9-
%D8%A8%D9%85%D8%A8/ar
انظر ايضا:”قضيّة فساد كبرى يُراد تمريرها”، جريدة المدى، 28/10/2017
41-انظر:”محافظ بغداد يحذر من انتشار ظاهرة سرقة الاراضي والممتلكات العامة”، موقع السومرية، 17/4/2016
42-انظر:”أمنية بغداد عمليات استيلاء الجماعات المسلحة على العقارات مستمرة ولن تتوقف الا باتفاق هذه الاطراف”، موةقع بغداد اليوم، 11/11/2017
43-انظر:”العمل ترجع 15 مليار دينار للموازنة بعد الكشف عن اسماء متجاوزة على الحماية الاجتماعي”، موقع المدى بريس،
https://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=46242
44-انظر:”استرجاع مليارين و140 مليون دينار من المتجاوزين على شبكة الحماية الاجتماعية، موقع شفق الاخباري،
http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/7af1f61c-5897-4071-90a0-8989d5de6994
45-انظر: أجانب يحصلون على جنسية عراقية مزورة.. والسبب؟، وكالة الفرات نيوز، 10/9/2017
http://alforatnews.com/modules/news/article.php?storyid=149618
انظر ايضا:” مشعان الجبوري: مليار دولار رواتب لــ 23 الف متقاعد “فضائي”،موقع روداو ،4/12/2014
http://www.rudaw.net/NewsDetails.aspx?pageid=83919
46-انظر:”وديعة من قبل نظام صدام حسين بمصارف لبنان … تفاصيل سرقة باقر صولاغ لمبلغ يقدر باكثر من 685 مليون دولار وبمساعدة شخصين “تعرف عليهما”!!، موقع بغداد نيوز
http://www.baghdadnews.info/index.php?page=article&id=27713